قيل: هذا غلطٌ، لأنَّه إنْ جازَ أنْ يُتَأول نَظَرُه إلى الأشياءِ على معنى التعطف جاز أنْ تُتَأَول رؤيته وبصره إلى الأشياء على معنى التعطف والرحمة.
وقد أثبتَ ابنُ فورك البصر والرؤية صفة، كذلك النظر.
ولأئه إذا جاز وصفه بالرؤية والبَصر إلى الأشياء؛ جاز وصفه بالنظر، إذْ ليس في ذلك ما يُحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقُّه.
فأما قوله في حديث جابر:"بَينا أهلُ الجنَّة في نعيمهم إذْ سَطَعَ لهم نُورُ من فوق رؤوسهم" فلا يمتنع حمله على ظاهره، وأنَّه نُورُ ذاته، لأنَّه إذا جاز أنْ يُظْهِرَ لهم ذاته فيرونها؛ جاز أنْ يُظهر لهم نُوره فيرونه، لأنَّ النُّورَ من صفات ذاته، ومنه قوله تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}[الزمر: ٦٩].
وأما قوله في حديث جابر:"بَينا أهلُ الجنة في نعيمهم إذْ سَطَعَ لهم نُورُ من فوق رؤوسهم" فلا يمتنع أيضا حَمله على ظاهره، وأنَّه إشْرافُ ذَاته، لا على وجه الجهة، كما جاز أنْ يَتَجلَّى للجبل حتى جعله دَكًّا.
فإن قيل: يحمل قوله: "إذْ سَطَعَ لهم نورٌ" على ما يَتَجَدَّد لهم من كراماته، وإشْعَارهم بما يزيدهم من معارفه، فعند ذلك يرفعون رؤوسهم، على معنى ما يقال: فلان رفع رأسه، إذا ارْتَفَعت حاله عن انخفاض بما يتجدد له، وقوله عند ذلك:"أشرف عليهم من فوق رؤوسهم" يعنيك من فوق رجائهم.
قيل: هذا غلطٌ، لأنَّه إنْ جازَ أنْ يُحمل ظُهور النُّور على كرامته جاز أنْ يحمل قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [الإنسان: ٢٣]. إلى كراماته، ولأنه إذا جاز أنْ يُوصف أنه أشرف عليهم من فوق رجائهم؛ جازَ أنْ يُوصف من فوق رؤوسهم، لا على وجه الجهة إذ لا فرق بينهما.
فأما قوله تعالى:{وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}[آل عمران: ٧٧]. معناه لا يتعطف عليهم ولا