للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يرحمهم، وكذلك قوله تعالى (١) "لا ينظر الله إليهم" على هذا المعنى، ولهذا يقول القائل: انظر إليَّ بمعنى تعطَّف علي وارحمني، وليس المراد به نفي النظر الذي هو الرؤية، لأنه تعالى ناظرًا رائيًا إلى جميع الأشياء غير مستترة عنه.

٣٤٦ - وفي معناه ما روي: "إن الله لم يَنْظُر إلى الدُّنيا منذ خلقها" (٢) معناه: لم يُجل قدرها ولا قدر من رَكَن إليها، لأنَّه خَلَقَها للفناءِ والزوال وحَثَّ على الزُّهد فيها وترك الاشتغال بها، ومنه قولهم: ما نظر فلان إلى فلان إذا أراد أنَّه لم يَعْتَد به.

وأما قوله: "إن الله لا ينظر إلى صُوَرِكُم ولكن ينظر إلى قُلُوبكم" معناه الاحتساب والاعتداد، أي لا يعتد بما يظهر منكم إذا لم يوافق الباطن، لأنَّ الأعمال الظَّاهرة مَنُوطَةٌ بصحة السَّرَائِر والإخلاص، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمالُ بالنِّيات، وإنما لامْرِيءٍ ما نَوَى" (٣) يريد أنَّ النِّيات هي المصَحِحة للأَعمال.

وليس إذا نَفَينا النظر في حالٍ، دَلَّ على نفي ذلك في الجملة، وكما قال تعالى: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} ولم يدل ذلك على نفي الكَلام في الجملة.


(١) كذا في الأصل والصواب: قوله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه من كلامه.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) هو الحديث الأول الذي ابتدأ به البخاري صحيحه وأخرجه في ستة مواضع أخرى، وأخرجه مسلم في الإمارة (٣/ ١٥١٥ - ١٥١٦) من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واللفظ المذكور لمسلم.
قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره: ينبغي لمن صنَّف كتابًا أنْ يبدأ فيه بهذا الحديث، تنبيهًا للطالب على تصحيح النية.
وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث، حتى قالوا إنه: ثلث الإسلام، وبعضهم قال: ربعه، ووجَّه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنيَّة أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها.

<<  <   >  >>