للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعلم أنَّه غيرُ مُمتنعٍ إطلاقُ وَصفه تعالى بالمَلل، لا على معنى السآمة والاستثقال ونُفُور النَّفس عنه، كما جاز وَصفه بالغَضَب لا على وجه النُّفُور، وكذلك الكراهة والسّخط والعداوة فقال سبحانه: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ} [المجادلة: ١٤].

وقال: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: ٩٣]. وقال: {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: ٦٠]. وقال: {سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٨٠]. وقال: {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٩٨]. وقال: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ} [التوبة: ٤٦].

فإن قيل: معنى المَلَل ها هنا الغضب، فيكون معناه: لا يغضب عليهم ولا يقطع عنهم ثوابه حتّى يترُكوا العمل (١).

قيل: هذا غَلَطٌ، لأنَّ الملل قد يَحصل منَ العبد، فيما لا يقتضي الغضب عليه، وهو تركُ النَّوافل، والخبر على هذا الوجه خَرَج، ولأنَّه إنْ جازَ تأويل المللِ على الغضب، جاز تأويل الغضب على الملل إذْ ليس أَحَدُهما بالتأَويل أولى من الآخر، وكلاهما مما قد وَرَدَ الشرع بإطلاقه عليه.

ولأن الملل والغَضَب في اللغة عبارة عن معنيين مختلفين، فلا يجوز حمل


= وقد أخرجه بإسناد آخر عن موسى به وفي: "يا أيها النَّاس إنَّ الله لا يملُّ حتى تملوا يعني من الثواب فاكلفوا من العمل ما تطيقون … ".
ولعل قوله: "يعني من الثواب" مُدرج من بعض الرواة.
وقد أشار عليه الحافظ في الفتح (٣/ ٣٧) لكن قال: أخرجه الطبري في تفسير سورة المزمل، وفي بعض طرقه ما يدل على أن ذلك مدرج من قول بعض رواة الحديث، والله أعلم.
قلت: كذا قال! وليس له عنده إلا طريقان!
(١) انظر "مشكل" ابن فورك (ص ١١٢).

<<  <   >  >>