للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحدهما على الآخر، ولأنَّه إنْ جاز امتناع إطلاق الملل ولأنَّ له حكم في الشَّاهد، جاز امتناع إطلاق الغَضب والرِّصا والإرادة، لأن لها حدًا في الشاهد.

فإن قيل: معناه: إنَّ الله لا يَمَلُّ إذا مَلَلْتُم، ومثل هذا قولهم: إنَّ هذا الفَرَسَ لا يَفْتُر حتى تفتر الخيل، وليس المراد بذلك أنَّه يفتر إذا فَتَرت الخيل، إذ لو كان المراد به هذا، ما كان له فضل عليها، لأنَّه يفتر معها، وإنما المراد به لا يفتر وإنْ فترت الخيل، وكذلك قولهم في الرجلِ البليغ، لا ينقطع حتى ينقطعَ خصومه، يريد بذلك أنه لا ينقطع إذا انقطعوا، إذْ لو كان المراد به ينقطع إذا انقطعوا، لم يكن له فَضْلٌ عليهم.

فعلى هذا يكون معنى الخبر أن الله عَزَّ وجلَّ لا يترك الإحسان إلى عبيده، وإنْ تركوا هم طاعته (١).

قيل: هذا غلطٌ، لأنَّ الخبر قُصدَ به بيان التحريض على العمل والحثِّ عليه وإنْ قَلَّ، فإذا حَمِلَ الخبرُ على استدامة الثواب مع انقطاع العمل من العامل، لم يوجد المقصود بالخبر، لأنَّه يعول على التَّفَضُل ويطرح العمل.

وجواب آخر: وهو أن "حَتَّى" لها ثلاثة أقسام: أحدُها: أنَّها تكون غاية، وتكون بمعنى "كي" وتكون بمعنى "إلا أن" وليست بمعنى "إذا" (٢).


(١) انظر المصدر السابق (ص ١١٢ - ١١٣).
ونقل هذا التأويل أيضًا البيهقي في "الأسماء" (ص ٤٨٣)، والحافظ في الفتح (١/ ١٠٢) ورجَّح أن الصواب هو أنه من باب "المقابلة اللفظية" كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ونقل عن الإسماعيلي وجماعة من المحققين، ونقل عن القرطبي قوله: وجه مجازه أنه تعالى لمَّا كان يقطع ثوابه عمن يقطع العمل ملالًا، عبَّر عن ذلك بالملال، من باب تسمية الشيء باسم سببه.
(٢) انظر: "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لأبي محمد بن هشام (١/ ١٢٢).

<<  <   >  >>