سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن الدهر، فلم يجبني فيه بشيءٍ.
وظاهر هذا أنْ أحمد توقف عن الأَخْذِ بظاهر الحديث، وامتنع من إطلاق تَسمية "الدَّهْر" على الله سبحانه.
٣٥١ - وقال حنبل سمعت هرون الحَمَّال يقول لأبي عبد الله: كُنَّا عند سفيان بن عيينة بمكة فحدَّثنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا تَسُبُّوا الدهر" فقام فتح بن سهل فقال: يا أبا محمد تقول يا دهرُ ارْزُقنا؟ فسمعت سفيان يقول: خُذُوه فهو جهمي، وهرب، فقال أبو عبد الله: القوم يردُّون الآثار عن رسول الله، ونحن نؤمن بها ولا نرد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله.
وظاهر هذا أنَّه أَخَذَ بظاهر الحديث، ويحتمل أنْ يكون قوله:"نحن نُؤمن بها" راجعٌ إلى أخبار الصفات في الجملة، ولم يرجع إلى هذا الحديث خاصة.
٣٥٢ - وقد ذكر شيخنا أبو عبد الله رحمهُ اللهُ هذا الحديث في كتابه، وقال: لا يجوز أنْ يُسَمَّى الله دَهْرًا.
والأمر على ما قاله، لأنه قد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث ما منع من حمله على ظاهره، ولم يَردْ في غيره من أخبار الصفات ما دَلَّ على صرفه عن ظاهره، فلهذا وجب حملها على ظاهرها، وذلك أنَّه روى فيه:"يُؤذيني ابن آدم يَسُبُّ الدهر، وأنا الدهر بيدي الأَمر، أُقلِّب الليل والنهار" وفي لفظ آخر: "لي الليلُ والنَّهار أُجَدده وأُبْليه، وأَذْهَبُ بملوكِ وآتي بملوك" فبيَّنَ أن الدَّهر الذي هو الليل والنهار خَلْقٌ له وبيده، وانه يُجدده ويُبليه فامتنع أنْ يكونَ اسمًا له.
وأصل هذا الخبر أنَّه وَرَدَ على سبب، وهو أن الجاهلية كان تقول: أَصَابني الدهر في مالي بكذا، ونالتني قَوَارعُ الدهر ومصائبه، فَيُضِيفُون كل حادثٍ يحدث مما هو جارٍ بقَضَاءِ الله وقَدَره، وخَلقه وتقديره، من مَرضٍ أو