صحةٍ أو غنى أو فقر، أو حياةٍ أو موتٍ إلى الدهر، ويقولون: لَعَنَ الله هذا الدهر والزمان ولذلك قال قائلهم:
أمِنَ المُنون ورَيْبها يَتَوَجَّعْ … والدَّهْرُ ليس بمعتِبٍ من يَجْزَع
وقال سبحانه:{نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}[الطور: ٣٠] أي: ريب الدهر وَحَوَادثه. وقال سبحانه:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجائية: ٢٤]. فأخبر عنهم بما كانوا عليه من نِسْبة أقدار الله وأفعاله إلى الدهر، فقال:"لا تسبوا الدهر" أي: إذا أصابتكم المصائب لا تَنْسِبُوها إليه، فإنَّ الله تعالى هو الذي أصابكم بها، لا الدهر، وإنكم إذا سَبَبْتُم الدهر وفاعل ذلك ليس هو الدهر.
٣٥٣ - وقال أبو بكر الخَلَّال: سألت إبراهيم الحربي عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقولن أَحَدُكم يا خَيبة الدهر، فإن الله هو الدَّهْرُ" وقوله: "لا تَسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر" قال: كانت الجاهلية تقول: الدهر هو الليلُ والنَّهار، يقولون الليل والنهار يفعل بنا كذا، فقال الله عزَّ وجلَّ: أنَا أفعل ليس الدهر (١).
فقد بَيَّنَ إبراهيم الحربي أن الخبر ليس على ظاهره، وأنَّه وَرَدَ على سبب.
٣٥٤ - وذكر أبو عبيد نحو ما ذكرنا، فقال: لا ينبغي لأَحَدٍ من أهل الإسلام أنْ يجهل وجهه، وذلك أن أهَلَ التعطيل يحتجون به على المسلمين، واحتج به بعضهم، فقال: ألا تراه يقول: فإنَّ الله هو الدهر" قال: وتأويله أن العَرب كان شأنها أنْ تَذُمَّ الدهر، وتَسُبَه عند المصائب التي تنزل بهم؛ من موتِ أو هرمٍ أو تَلَفٍ، فيقولون: أصابتهم