للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حدوثه، كما لم يكن في قولنا "تَكَلَّم" ما يُوجب حُدوثه.

فإنْ قيل: بل فيه ما يُوجب حدوثه وخلقه، وذلك أن القراءة عبارةٌ عن جمع الشيء، ومنه قولهم: ما قَرَأت هذه الئاقة سَلَا (١) قط، أي: ما جَمَعَت في رحمها وَلدًا، وكذلك قولهم: قرأت الماء في الحوض، وقرأت اللقمة في فَيَّ، ومتى وَصفنا القُرآن بالجَمع، وصفناه بصفةٍ توجب حدوثه.

قيل: يحتمل أنْ يكون الجمع راجعًا إلى أَحَدِ وجهين:

أحدهما: إلى أَحْكامه وشَرائعه، لا إلى نفس الكلام الذي هو الصفة لقيام الدليل على قدمه، والقديم لا يَصحُّ جَمعه (٢)، وأحكامه مجموعة في


(١) السَّلَى: الجلدةُ التي يكون فيها الولد من الناس والمواشي، وخصَّه الأزهري والجوهري بالمواشي. (القاموس).
وأما "القرآن": فقال أبو إسحاق النحوي: يُسمى كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - كتابًا وقرآنًا وفرقانًا، ومعنى القرآن معنى الجمع، وسُمِّي قرآنًا لأنه يجمع السور فَيَضُمُّها، وقوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)} أي جمعه وقراءته (اللسان - قرأ).
وانظر: "مباحث في علوم القرآن" لمناع القطان (ص ٢٠ - ٢١).
(٢) قوله: " … والقديم لا يصح جمعه … إلخ" خلاف المشهور عند السلف والخلف أن الصحابة في عهد أبي بكر - رضي الله عنهم - جمعوا كتاب الله تعالى "القرآن" وهو كلام المنزَّل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل عليه السَّلام، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المنع من المسافرة بما كُتب وجمع من القرآن إلى أرض الأعداء، فقال: "لا تُسافروا بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن تناله أيديهم" متفق عليه.
وأما المداد والورق فإنهما مخلوقان، وقد ميَّز الله تعالى في كتابه بين الكلام والمداد فقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (١١٠)}.
فالقرآن متلوٌ بالألسن، محفوظ في الصدور، مكتوب في المصاحف، هذا قول أئمة السلف الموافق للكتاب والسنة.
أما المعتزلة فقالوا: إن القرآن مخلوق من المخلوقات، ونفوا عن الله تعالى صفة الكلام، وجاء عبد الله بن سعيد بن كُلَّاب بقول محدث آخر، فقال: إن معنى القرآن كلام الله، =

<<  <   >  >>