للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

هي صفةً زائدةً على الذات، كما أثبت له حياة ونفسًا فقلنا حيٌ بحياة، وباقي ببقاء، وإنْ لم يكن حياته وبقاءه عَرضين كحياتنا وبقائنا، كذلك في النفس.

فإنْ قيل: فأثبتوا له رُوحًا لأنَّه قد وَصَفَ نفسه بذلك فقال تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩)} [الحجر: ٢٩].

قيل: لا نُثبت ذلك، لأنَّ السَّمْع لم يَرد بذلك على وجهِ الصفة للذات، وقوله: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} المراد له أمره، لقيام الدليل على أن صفاتَ ذاته لا تَحُلُّ المُحْدَثَات (١)، ويُفارق هذا إثبات النَّفس، لأنَّه ليس في إثباتها ما يُحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه لما ذكرنا.

فإن قيل: ليس المراد بالنفس ها هنا إثباتُ صفةٍ، وإنما المراد بذلك الذات، كما تقول العرب: هذا نفس الأمر، ويريدون به إثباتُ الأمر لا أن له نفسًا، وقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨]. معناه: عقوبته، وقيل: إياه وقوله {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} أيْ في غَيبي {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} أي غيبك، وقيل في قوله: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} يرجع إلى نفس عيسى، وأضافَ نفسه إلى الله من طريق المُلْكِ والخَلْق، فيكون معناه: لا أعلم ما في مُلكَكَ مما خلقته إلا ما أَعْلَمتني، وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤]. معناه: كَتَبَ عليه، وقوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه: ٤١]. معناه: اصْطَنَعتك لذاتي أو لرسالتي، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ذكرتُه في نفسي" معناه: أخفيتُ ثوابه كما أخفى ذكري في نفسه،


(١) الإضافة في قوله تعالى: {مِنْ رُوحِي} للتشريف كذا فسَّره البغوي (٤/ ٣٨٠) وغيره، ومن المعلوم أن الإِضافة إليه تبارك وتعالى قسمان:
إضافة صفات: كسمع الله وبصره وعلمه وقدرته …
وإضافة تشريف: كبيت الله. ورسوله الله وروح الله .... إلخ.

<<  <   >  >>