للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومنه قوله تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧]. وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إخْبارًا عن الله عَزَّ وجَلَّ: "أَعْدَدْتُّ لِعِبَادِي الصَّالحين مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، ولا أُذُنْ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرِ" (١).

قيل: هذا غلطٌ، لأنه إنْ جاز حمل النفس على الذات؛ جاز حمل الحياة والبقاء على الذات فيقال: ذاتٌ حَيَّةٌ ذاتٌ باقية، وقد أجمعنا ومُثْبِتُوا الصِّفات على أنَّه حيٌّ بحياة، وباقي ببقاء، كذلك جاز أنْ يكون ذَاتًا بنفس، ولأن هذا (٢) يؤدي إلى جواز القول بأن الله نفس، وأنَّه يجوز أنْ يُدْعَا فيقال: يا نفس اغفر لنا، وقد أجمعت الأُمة على منع ذلك.

وأمّا تأويل قوله تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه: ٤١]. معناه: لذاتي ورسالتي، فلا يصح لأنّه يُسقط فائدة التخصيص بموسى، لأنَّ خيره من الأنبياء اصطنعه لِذَاته ورسالته، فوجبَ أنْ يكون لتخصيص النفس ها هنا فائدة.

وجواب آخر: وهو أن قوله: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (٤١)} [طه: ٤١] المراد به الذي له النفس، وكذلك قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤]. المرادُ به الله الذي له النفس، وكذلك قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨] المراد به الله الذي له النفس.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه كتاب الجنة (٤/ ٢١٧٤) من طريقين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا به.
وأخرجه أيضًا عن سهل بن سعد الساعدي قال: شهدتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسًا وَصَف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - في آخر حديث: "فيها ما لا عين رأتْ، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خَطَر على قلب بِشْر" ثم اقترأ هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة: ١٦ - ١٧].
(٢) أي تأويل النفس بالذات.

<<  <   >  >>