للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

اعلم أنه غير ممتنع وصْفُه تعالى بالجَمَال، وأنَّ ذلك صفةً راجعةٌ إلى الذات، لأنَّ الجمال في معنى الحُسْن، وقد تقدم في أول الكتاب قوله: "رأيتُ ربِّي في أحسن صُورة" وبينا أن ذلك صفة راجعة إلى الذات كذلك ها هنا، ولأنه ليس في حمله على ظاهره ما يُحيل صفاته، ولا يُخرجها عما تستحقه، لأنَّ طَريقَه الكمال والمدح، ولأنه لو لم يُوصف بالجمال جاز أنْ يُوصف بضدِّه وهو القُبْح، ولَمَّا لم يَجزْ يُوصف بضده، جاز أنْ يُوصف به، ألا تَرَى أنا وصفناه بالعلم والقدرة والكلام، لأن في نفيها إثباتُ أضدادها وذلك مستحيلٌ عليه، كذلك ها هنا.

فإن قيل: قوله: "جميل" بمعنى: مُجَمِّل مَنْ شاء مِنْ خَلْقه، لأنَّ فعيل قد يجيء على معنى: مُفعل، ومنه قولنا: حكيم والمراد محكم لما فعله (١).

قيل: هذا غلطٌ، لأن الخبر وَرَد على سبب، وهو الحثُّ لهم على التَّجمُّل في صفاتهم، لا على معنى التجميل في غيرهم، فكان مقتضى الخبر: إن الله جميل في ذاته يجب أن تتجملوا في صفاتكم، فإذا حُمِل الخبر على فعل التجميل في الغير، عدل بالخبر عمَّا قُصِدَ به.

* * *


= الزكاة (٢/ ٧٠٣) وأحمد (٢/ ٣٢٨) وغيرهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها النَّاس، إنَّ الله طَيِّبٌ ولا يَقبلُ إلا طيِّبًا، وإنَّ الله أَمَرَ المؤمنينَ بما أَمَرَ به المُرسلين … " الحديث.
(١) وهو ما تأوله ابن فُورك، انظر "مشكل الحديث" (ص ١٤٧) وكذا ما يأتي من التأويلات الباطلة.

<<  <   >  >>