للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اعلم أن الكلام في هذا الخبر في ثلاثة فصول.

أحدها: إطلاق الصَّلاة عليه.

الثاني: صِفَةُ صلاته.

الثالث: قوله "سبقت رحمتي عضبي".

أمَّا الفَصْلُ الأول: فإنَّه غير ممتنع إطلاق الصَّلاة عليه سبحانه، وأنها صفة له، وقد دَلَّ على ذلك نص القرآن فقال تعالى {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} [الأحزاب: ٤٣] وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦].

الثاني: صِفَةُ الصَّلاة، فذلك ما فَسَّره في حديث عبد الله بن الزبير ثناءه ومدحه لنفسه بقوله "سُبوح قُدُّوس"، وإظْهار رحمته بقوله "رَحْمته سَبَقَتْ غَضَبه" وصلاة ملائكته إسْتِغْفَارُهم وسُؤَالُهم الفضْل، وصلاةُ المؤمنين دُعائهم ربهم إنزال البركات والرحمة على من يُصَلُّون عليه (١).

الفصل الثاني: قوله "سبقت رحمتي غضبي" معناه سبق الكائن من رحمتي غضبي، لأن صفات ذاته لَا تَتَّصِفُ بِسَبْقِ بعضِها على بعض، وفي هذا دلالة على أن الغَضَبَ من صفاته، وقد بينَّا ذلك فيما تقدم بقوله، تعالى {غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [المجادلة: ١٤] وقوله {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [النور: ٩] وغير ذلك (٢).


(١) روى البخاري في التفسير (٨/ ٥٣٢) عن أبي العالية تعليقًا بصيغة الجزم: قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء. قال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن أبي حاتم. وروى البخاري أيضًا عن ابن عباس قال: "يصلون" يُبركون. قال الحافظ: وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قولة (يصلون على النبي) قال: يبركون على النبي، أي: يدعون له بالبركة. قال: فيوافق قول أبي العالية، لكنه أخص منه انتهى.
وانظر رد الإمام ابن القيم من وجوه كثيرة على من فسّر الصلاة ههنا "بالرحمة" في كتابه "جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام (ص ٩٠).
(٢) "الغضب" من صفات الله تعالى الثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، وهي صفة فعل تتعلق بها =

<<  <   >  >>