للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا يجوز أنْ يقال: إنَّ الرحمةَ والغضبَ هو الإرادة، بل كل واحد منها صِفَة ليست الأخرى، فعلى هذا لم يَزَلْ راحمًا مُرِيدًا تَنعْيَمَ مَنْ عَلمِ تنعيمه، ولم يَزَلْ غَضْبَانًا (١) مُريدًا تعذيبَ مَن قد علم تعذيبه وعقوبته.

والوجه في ذلك: أنْ الإرادة تَتَناول ما ينافي الرحمة من المعاصي، وما لا ينافيها، وتتناول ما يُلائم الغَضب من المعاصي وما ينافيه من الطاعات، فبانَ بهذا أنهما صفَتان، كالعلم والقدرة، والسمع والبصر، ولأنَّ نفي الغضب والرضا والمحبة والسخط يدل على النَّقص، كالمجنون لما انتفت هذه الأشياء في صفاته، دَلَّ على نقصه فوجب وصفه بها، كما وُصِفَ بالعلم والقُدرة.

* * *


= المشيئة، وقد تقدم في كلام المصنف ذكر بعض الآيات الواردة فيها في (ص) ومن السنة: حديث الشفاعة الطويل وفيه قول كل نبي من أولي العزم: "إنَّ ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى غيري "الحديث رواه البخاري في الأنبياء (٦/ ٣٧١) وفي التفسير (٨/ ٣٩٥) ومسلم في الإيمان (١/ ١٨٥) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وفي قوله: "اللهم إنى أعوذ رضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك .. " الحديث رواه مسلم في الصلاة (١/ ٣٥٢) من حديث أبى هريرة عن عائشة - رضي الله عنهما -.
وغيرها من الأحاديث، التي نؤمن بها على ظاهرها، على ما يليق بالله تعالى وكماله وجلاله وجماله، لا نؤولها ولا نعطلها، كما سبق ذكر ذلك مرارًا في هذا الكتاب.
(١) أي: لم يزل موصوفًا بهذه الصفة وغيرها من صفات كماله، لم يحدث له شيء لم يكن قبل من صفاته، بل ما زال بصفاته قديمًا قبل خلقه. انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص ٨٤) بتعليقنا.

<<  <   >  >>