للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كَنَفُهُ"، "ويَخْلُوا بعَبْده" ونحو ذلك، وقد بَيَّنَّا أنَّه غَير ممتنعٍ القُرْبُ من الذات، إذْ ليس في ذلك ما يُوجب كونه في جهة. كما جَازَ وصفه بالإستواء على العردش فلم يُؤدِّ ذلك إلى الجهة، وكذلك رُؤيته جائزة ولم يُؤدِّ ذلك إلى الجهة، كذلك ها هنا.

فإنْ قيل: قوله "فهو عنده" على معنى أنَّه عالم به، وأنَّه لا يخفى عليه منه شيء، ولم يَسبق بكتابته لئلا يذهب علمه به، كما قال تعالى {فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣] أي: في علمه، وقيل: يحتمل أنْ يراد بها الكرامة (١).

قيل: هذا غلط، لأن حمله على ذلك يُسقط فائدة التخصيص بالكتاب، لأنَّه عالم بجميع الأشياء مما كتَبَه ومما لم يكتبه، ولذلك هو مكرم لغيره من الكتب.

الفصل الثالث: قوله "لما قَضَى الخلق" فالمراد به لما حَكَمَ بخلق ما سَبقَ في علمه وحكمته أنه يَخْلُقُه، خَلقَ كتابًا كتب فيه ما أراد أَنْ يكون في المستقبل منَ الأوقات، من الحوادث التي تحدث فيها (٢).


(١) انظر هذه التأويلات في مشكل ابن فورك (ص ١٦٨).
وحكى الحافظ ابن حجر نحوه عن ابن بطال في الفتح (١٣/ ٣٨٥) وقال ابن التين: معني العندية في هذا الحديث: العلم بأنه موضوع على العرش!! هو تأويل أيضًا! وقال الراغب: "عند" لفظ موضوع للقرب، ويستعمل في المكان وهو الأصل اهـ. وهو كلام صائب، والله أعلم.
(٢) قال الخطابي: المراد بالكتاب أحد شيئين: إما القضاء الذي قضاه كقوله تعالى {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١)} أي: قضي ذلك قال: ويكون معنى "فوق العرش" أي عنده علم ذلك، لا ينساه ولا يبدله، كقوله {فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى}.
وإما: اللوح المحفوظ الذي فيه ذكر أصناف الخلق، وبيان أمورهم وآجالهم وأرزاقهم وأحوالهم، ويكون معنى: فهو عنده فوق العرش" أي: ذكره وعلمه. كل ذلك جائز في التخريج. الفتح (١٣/ ٤١٣).

<<  <   >  >>