للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥٠٥ - وهذا كما روي في الخبر الآخر "إن أَولَّ شيءٍ خَلَقَ اللهُ تَعالى القَلَم، ثمَّ خَلَقَ اللَّوح، فقال: أجْرِ بما هُو كَائن إلى يوم القيامَةِ" (١).

الفصل الرابع: قوله "رحمتى تَغْلب غضبي" فقد بينَّا فيما قَبل أن الرحمة والغضب من صِفَات ذاته، ليس معناهما نفس الإرادة، بل كل واحد منهما صفة ليست الأُخرى، فعلى هذا لم يَزَلْ غَضْبانًا مُريدًا تَعْذِيب مَنْ عَلمَ أنَّه يعذبه، بعُقوبته في النار من الكافرين، ولم يزل رَاحِمًا مرُيدًا تَنعِيم مَن علم أنَّه يُنعمه، بكراماته في الجنة من المؤمنين.

والوجه في ذلك، وأن الإرادة ليست نفس الرحمة، وكذلك الغضب: أن الإرادة تتناول ما يُنافي الرحمة من المعاصي وما لا يُنافيها، وتتناول أيضًا ما يُنافي الغضب من الطاعات وما لا ينافيه، فبان أنهما صفتان كالعلم والقدرة (٢).

وإذا ثبت هذا الأصل فقوله "تغلب رحمتي غضبي" "وسبقت رحمتي عضبي" أي: سَبَقَ الكائن من رحمتي لأهل الرحمة، والكائن من غضبي لأهل الغضب، وأنَّ من رَحمِهَ فقد غَلَبَتْ رحمته عليه بوصول الصَّادر عنه إليه، وظهور ذلك عليه، وإنَّما كان مبنيًا على هذا الأصل، ليصح فيها


(١) حديث صحيح، رواه أحمد (٥/ ٣١٧) والطيالسي (٥٧٧) وأبو داود (٤٧٠٠) والترمذي (٢١٥٥، ٣٣١٩) وابن أبي عاصم. في السنة (١٠٢، ١٠٣، ١٠٤، ١٠٥) والآجري في الشريعة (ص ٨٣ - ٨٤، ١٧٧، ١٧٨) واللالكاني في شرح أصول الاعتقاد (٣/ ٦١٥) من طرق عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -.
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس وابن عمر رضى الله عنهم، وانظر تفسير ابن جرير وابن كثير عند قوله {ن وَالْقَلَمِ} وانظر شرحنا للعقيدة الطحاوية (ص ٢٩٩).
(٢) الرحمة العامة ملازمة لذات الله تعالى، وإن كان أفرادها تتجدد، وقد تقدم الكلام على هذا.
وأما الإرادة فهي صفة أخرى مستقلة، لا يجوز أن نفسّر بها الرحمة، أو نقول: إن رحمته هي إرادة الإحسان. وأما "الغضب" فمن صفات الأفعال التي تتعلق بها المشيئة.

<<  <   >  >>