للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومتحققًا وذكيًا وموقرًا ومتيقِّنًا وطبيبًا (١).

فأمَّا القسم الأول: فإنَّه تستحيل معانية عليه، وإنْ كان الشَّرعُ وَرَدَ بإطلاقه، لأنَّ "النُّور" أمَّا أنْ يكون جسمًا مُضيئًا أو شُعَاعًا وضيئًا لبعض الأجْسام، وذلك يستحيل عليه، فكان معناه عند بعضهم: مُنَوِّرُ السَّماوات والأرض، ومُنَوِّر قلوب عباده الذين في السَّمَاواتَ والأرض، على ما تقدم بيانه (٢).

وكذلك قوله {يُؤْذُونَ اللَّهَ} [الأحزاب: ٥٧] {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: ٧٩] {وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: ٥٤] {يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: ١٥] كلُّ ذلك ليس من أسمائه، وإنما ورد على طرق الجزاء على مكرهم، واستهزائهم بالمؤمنين.

وكذلك قوله {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: ٤٧] وقوله {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ} [الأعراف: ١٤٥] لأنَّه يمتنع إطلاق وصفه بأنَّه: باني وكاتب، وإنْ كان ذلك مطلقاً في القرآن، ولهذا لم يصفه -صلى الله عليه وسلم- بذلك في الأسماء التي وصفه بها.

وكذلك يستحيل وصفه بالوكيل واللطيف والحكيم والعزيز والرحيم! وإنْ كَانَت هذه من جملة أسمائه التي ذكرها -صلى الله عليه وسلم-، لأنَّ الوكيل هو الُمستَنَابُ المتصرِّفُ بتصريف الغَير، والله يتعالى عن ذلك، واللطيف في أصل الوَضع يفيد التَّصغير والتحقير، والحكيم مَأخُوذٌ من حَكمة اللجام، لكونها مانعة من سير البهيمة إلا على قصد الرَّاكب، والعزيز هو الصَّلب، ومن قولهم أَرْضٌ عَزَازٌ وعَزيزة يعنون صَلبة، والسَّخاوة هي الرَّخَاوة، ومن قولهم أرضٌ سَخية، يعنون رخوة، والرحيم مأخوذٌ من "الرَّحمة" وهي الرِّقَّة والهوادة،


(١) قد ذكر أهل العلم أن باب الأسماء والصفات لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس، وإن تقارب في اللغة. انظر النهج (١/ ٤٣ - ٤٦).
(٢) انظر التعليق المتقدم في (ص ١٣٦ - ١٣٧).

<<  <   >  >>