للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويجوز وصفه بأنه لم يزل معدمًا، على معنى لم يزل موجدًا لفنائه، والحَشْر والنشر، كما أنَّه اليوم غير موجد لذلك، فأما أنْ يُوصف بأنَّه لم يزل مُعْدِمًا للشيء بعد وجوده فلا يجوز، لأنَّه يقتضي أنْ يكون المعدوم موجودًا قبل عَدَمِه، وهذا لا يجوز (١).

ويجوز وصفه بأنَّه "فاعل" وحقيقة ذلك أنَّه مخترع لذاتِ ما فعله بقدرته، وجاعل له نَفْسًا وذَاتًا بعد أنْ لم يكن كذلك، لأنَّه قد ثبت وجود حدوث ذوات الحوادث وتعلّقها بمحدثٍ أحدثها، فيجب أنْ يوصف الله تعالى بأنَّه فاعل على وجه الاستحقاق (٢).

ولا يجوز وصفه بالمباشرة والتَّوَلُّد، لأنَّ المباشرة في الحقيقة تَلَاقي الأجسام ومُمَاستها (٣) ومنه قوله تعالى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] ولا نصفه بالتَّولد، لأن معنى التولد أنَّه فعلٌ واقع عن سببٍ أوجبه وولَّده، وهذا القسم لا أصل له عندنا في أفعال الله (٤) ولا في أكساب الخلق، لما تذكره من الأدلة على إبطالِ القول بالتَّولد،


(١) هذه من المسائل الدقيقة، وهي متعلقة بمسألة الحوادث التي لا أول لها. وانظر شيئًا من الكلام عليها في: درء تعارض العقل والنقل، لشيخ الإسلام ابن تيمية (٣/ ٣٤) وما بعدها.
(٢) جاء وصف الله تعالى بالفعال في قوله سبحانه {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: ١٦].
وذكره الحليمي والبيهقي والقرطبي والسعدي وغيرهم في الأسماء.
(٣) في الأصل: ممامستها، وهو خطأ.
(٤) التولّد لا يكون إلا من أصلين، كما قال تعالى {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام: ١٠١].
فبين سبحانه بطلان كون الولد له من غير صاحبة، وليس في الموجودات ما يكون وحده مولدًا الشيء، بل خلق الله تعالى من كل شيء زوجين، وهو سبحانه الواحد الأحد الذي لا زوج له. انظر درء تعارض العقل (٧/ ٣٦٩ - ٣٧٤) وقد سبق الكلام على المماسة والمباشرة في الجزء الأول (ص ٢٠٦ - ٢٠٨).

<<  <   >  >>