للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحتجَّ بأن الخلق مشتقٌ من فعل وصادر عنه، كما أنَّ قولهم عالم ويعلم ويصدر عن العلم، وما كان مشتقًا من شيء لا يصح إشتقاقه مع عدم ما اشتق منه.

والجواب عنه ما تقدم من الوجهين: أحدهما: قولهم سَيْفٌ قطوع، وخبزٌ مشبع وإنْ لم يوجد الفعل. والثاني: وصفه بالأمر والنَّهي، والمحبة والبغض مع عَدَمِ معانيها.

واحتجَّ بأنَّه لو كان قولنا خالق ورازق تجري مجرى قولنا: عالم، لم يصح أن يقال يقدر على أن يخلق ويرزق، كما لا يصح أنْ يقال يقدر أنْ يعلم وأنْ يسمع ويبصر، ولمَاَ جاز ذلك عليه بقوله: {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: ٨١] دلَّ على أنَّ ذلك من صفات الفعل.

والجواب: أنَّ قولنا يقدر أنْ يخلق، معناه أنَّ الخلق الذي هو المخلوق داخل تحت القدرة، فأمَّا وَصْفُهُ بالخلق فلا يدخل تحت القدرة (١).

كالمعلوم داخل تحت القُدرة، والعلم الذي هو صفته لا يدخل تحت القدرة. ولا يصح تأويل الكراميَّة على معنى أنَّه يعلم أنَّه سيخلق، ويريد أن يخلق وهو قادر عليه.

لأنَّه لو جاز ذلك، لجاز لأحد أنْ يقول لمن هو قاعد: إنَّه قائم على الحقيقة، إذا علم أنَّه سيقوم أو يريد أنْ يقوم، وإنْ لم يحصل منه القيام.


= قام على الشيء إذا داوم عليه، وعلى هذا فقوله: "الصلاة القائمة" بيان للدعوة التامة.
ويحتمل أن يكون المراد بالصلاة: المعهودة، والمدعو إليها حينئذ وهو أظهر. (المصدر السابق).
(١) قدرة الله تبارك وتعالى يدخل فيها أفعال نفسه وأفعال العباد، فأما قدرته في أفعال نفسه فهو كقوله {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} وقوله {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} وقوله {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} ونظائره كثيرة، وأما قدرته على الأعيان والمخلوقات فكقوله {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} وقوله {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وقوله {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} وغيرها. انظر مجموع الفتاوى (٨/ ١٠) وما بعدها.

<<  <   >  >>