غير نطفة ولا تناسل، وكذلك عيسى خُلق من غير نطفة قبله وغير تناسل، وقد قال تعالى {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)} [آل عمران: ٥٩] ولأنا قد استفدنا إبطال قول الدهرية من غير هذا الموضوع، وهو قوله خلقته من طين.
وجواب آخر: وهو أنه قد روي "خلق آدم على صورة الرحمن" وهذا يمنع رجوع الهاء على آدم.
فإن قيل: الهاء عائدة على آدم، ويكون فائدته إعلامنا أنه لم يكن حادثًا عن توليد عنصرٍ أو تأثير طبعٍ، أو فلكٍ أو ليلٍ أو نهارٍ، إبطالًا لقول الطبائعيين، أن بعض ما كان عليه آدم من هيئاته وصورته لم يخلقه الله -عَزَّ وَجَلَّ-، بل كان فعل الطبع أو تأثير فلك، فبيَّن بذلك أن الله تعالى هو الخالق لآدم، على ما كان فيه من الصُّور والتركيب، وإبطالًا لقول القدرية، أن من صفات آدم ما لم يخلقه الله، وإنما خلقها آدم لنفسه؟!
قيل: هذا غلط لما بينَّا وهو أنه يسقط فائدة التخصيص بآدم، لأن بقية البشر هذا المعنى موجود فيهم، وأن الله تعالى هو الخالق، وأنه لا صنع للطبيعة فيه والفلك فيه، ولأنه قد روي في لفظ آخرٍ "خلق آدم على صورة الرحمن".
فإن قيل: إنما خص آدم بذلك تنبيهًا على أن من شاركه من المخلوقات في معناه، قيل: هذا غلط، لما بينَّا من أن خلق عيسى في معنى خلق آدم بقوله {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ}[آل عمران: ٥٩] فلا معنى لتخصيصه بذلك، ولأن، قوله "خلق آدم على صورة الرحمن" يمنع من ذلك.
فإن قيل: الهاء عائدة على آدم، ويكون فائدته إشارة إلى ما تقدم أن الله خلق السعيد سعيدًا والشقي شقيًّا، فلما خلق آدم وقد علم أنه يعصي