قال الله تعالى:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} قال أبو عبد الله الحليمي رحمه الله في مبسوط كلامه قد أبان الله تعالى أن الصوم من أسباب التقوى، وحقيقة التقوى فعل المأمور به والمندوب إليه واجتناب المنهى عنه والمكروه والمنزه عنه لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار وهو إنما يقي نفسه النار بما ذكرت قال:
والانتهاء عن الفحشاء والمنكر هو التقوى، وهذا لأن من حبب الله إليه الصلاة ووفقه لها فقد وذلل أعضاءه وجوارحه بها لم يكن إلا منتهيا عن الفحشاء والمنكر وكذلك الصيام من شعبها؛ لأن التملأ من الطعام والشراب رأس البواعث على الفحشاء والمناكير، ومعلوم في العادات أن الجائع العطشان لا يجد في نفسه من قلق الشهوات ما يجد منه الممتلئ من الطعام والشراب وإذا كان ذلك فقد حصل من الصيام التقوى وفيه وجه آخر: وهو أن المعنى لعلكم تتقون الكفر والتغافل والتجاهل بقدر النعمة عن شكرها، وذلك أن الناس إذا كانوا ممسكين طول الدهر ليلا ونهارا من الأكل والشرب، نسوا الجوع والعطش، وغفلوا عن شدتهما وبحسب ذلك يجهلون موقع نعمة الله عليهم بالطعام والشراب ويغفلون عن شكرها ففرض الصوم عليهم مدة من المدد ليستشعروا أن التملأ من الأكل والشرب لا يقع بمجرد وجود الطعام والشراب، لكن تحتاج مع الوجود إلى إطلاق المولى وإباحته فيكون ذلك أطرا لإيمانهم ثم يكفوا عنهما لوجهه، فيكون ذلك عبادة لهم، ثم يجدوا خلال الكف توقانا إليهما، ويصبروا فيكون ذلك ادكارا بقدر النعمة التي كانت عليهم طوال الدهر بالإطلاق والإباحة،