للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولم يقل بعد أفهو كذب؟ فإن قال معناه سيقول.

قيل ذلك قوله:

{إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ} [نوح:١].

في أزله خبرا عن أن «سنرسل نوحا» قبل إرساله، فإذا أرسل يكذب خبرا عن إرساله أنه وقع من غير أن يحدث خبرا، كما أن علمه بأن سيكون الدنيا علمه بأنه كائن، وإذا كان لم يحدث علم، إنما حدث المعلوم والمخبر عنه، دون العلم والخبر.

فإن قالوا: لو كان لم يزل متكلما لكان لم يزل آمرا وأمر من ليس بموجود محال.

قيل من قال من أصحابنا لم يزل آمرا فهو يقول لم يزل آمرا له يكون على معنى إذا خلقت وبلّغت، وكمل عقلك، فافعل كذا، كأوامر الرسول صلّى الله عليه وسلّم لمن يأتي بعده. ومن قال لم يزل غير آمر وإنما يكون كلامه أمرا لحدوث معنى، فنقول لا يجب إذا كان لم يزل متكلما أن يكون لم يزل آمرا لأن حقيقة الكلام غير حقيقة الأمر، ولم يكن كلاما لأنه أمر وإنما كان كلاما لأنه مسموع يفيد معاني المتكلم، وينفي السكوت والخوص، ويكون أمرا لعلة الإفهام أن كذا يلزمه أن يفعله.

فإن قيل: لو كان لم يزل متكلما لكان هاذيا إذ لا يسمع كلامه أحد.

قيل أليس المسبّح لا يسمع كلامه أحد، ولا يكون هذيا،. فإن قيل: الله يسمعه. قيل: فهو يسمع الهذيان أيضا، ولا يخرجه من أن يكون هذيانا ولأن معنى الهذيان أنه كلام لا يفيد وكلام الله يفيد المعاني الجليلة.

فإن احتجّ محتجّ بالحروف، وتأخر بعضها عن بعض، وفي ذلك دلالة على الحدث وكلام الباري ليس بحروف وإنما هو معنى موجود قائم بذاته يسمع وتفهم معانيه والحروف تكون أدلة عليه، كما تكون الكتابة امارات الكلام ودلالات عليه. وكما يعقل متكلما لا مخارج له ولا أدوات كذلك يعقل له كلاما ليس بحروف ولا أصوات وقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>