قال وينبغي للإمام أن لا يولي الحكم بين الناس إلا من جمع إلى العلم السكينة والتثبت وإلى الفهم الصبر والحلم وكان عدلا أمينا نزها عن المطاعم الدنية ورعا عن المطامع الرديئة شديدا قويا في ذات الله متيقظا متحفظا من سخط الله ليس بالنكس الخوار فلا يهاب ولا المنفطم الجبار فلا ينتاب لكن وسطا خيارا ولا يدع الإمام مع ذلك أن يديم الفحص عن سيرته والتعرف لحاله وطريقته ويقابل منه ما يجب تغييره بعاجل التغيير وما يجب تقريره بأحسن التقرير ويرزقه من بيت المال إن لم يجد من يعمل بغير رزق ما يعلم أنه يكفيه ويقوى فيما ولاه يده ويشد أزره وبسط الكلام فيه أن قال ويتوقى أن يقال في ولايته هذا حكم الله وهذا حكم الديوان فإن هذا من قائله إشراك بالله إذ لا حكم إلا لله قال الله عز وجل:
{أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ}[الأنعام:٦٢] كما قال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}[الأعراف:٥٤] وقال: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}[الكهف:٢٦] إلى غير ذلك من الآيات التي وردت في معناه وقد وردت في تقلد القضاء آثار تزهد فيه بل توجب التحرز والفرار منه وهي محمولة على تعظيم أمر القضاء والدلالة على خطره ورفعة قدره لا على الكراهة له من طريق أن فيه قبحا أو مأثما أو سقاطة وأن من فر منه فلاشفاقه من أن لا يقوم بحقه.
قال الإمام أحمد رحمه الله: فمن علم من نفسه ما لا يمكنه القيام معه بحقه فلا ينبغي له أن يتعرض للشروع فيه، ومن علم من نفسه أنه يصلح له فينبغي له أن يشاور فيه أهل العلم والأمانة ممن خبره وتبطن حاله وأمره على نفسه ليخبروه عن نفسه بما لعله يخفى عليه وبسط الحليمي الكلام فيه وفي غيره وقد ذكرنا ما ورد في كل فصل من فصوله من الأخبار والآثار في كتاب أدب القضاء من كتاب السنن من أراد الوقوف عليه رجع إليه إن شاء الله.