للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الحليمي رحمه الله: لا فرق بين أن يقول السيّد لمملوكه: مالك لا تخاف سلطاني وملكي؟ وبين أن يقول: مالك لا تعرف نفسك وزنها ولا تنزّلها منزلة مثلها؟.

ففي الكلامين يراد بهما تقرير حال العبد عند نفسه لئلاّ يأمن سطوة سيّده فيدعوه ذلك إلى مفارقة طاعته.

وأبين من هذا قوله عزّ وجلّ:

{وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاّ إِيّاهُ فَلَمّا نَجّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً؟ أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً} [الإسراء:٦٧ - ٦٩].

فعرفهم انّه لا ينبغي لهم في حال من الأحوال أن يفارقوا طاعته أو يقصّروا في شكره، مستشعرين منه أمنا لما يرونه من نعمه السابغة عليهم، مقدّرين انّه راض منهم باليسير من الطاعة التي يوفونه من أنفسهم، فإنّه لا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون، بل سبيلهم أن يكونوا في الأحوال كلّها مشفقين من سخطه ومؤاخذته، مخطرين بقلوبهم انّه إن أراد بهم هلكا أو سوءا دونه ما كان، لم يجدوا من يدفعه عنهم ولا من يمنعه بما يملكه منهم.

وأمّا الثاني فإنّ الله جلّ ثناؤه أثنى على الذين يدعونه فيقولون:

{رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا} وقرأ الآية.

وسماهم الراسخين في العلم ومعلوم انّ أحدا لا يدعو فيقول: رب لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، إلاّ وهو خائف على الهدى الذي أكرمه الله تعالى به أن يسلبه إيّاه.

وأخبر عن أهل الجنّة إنّهم يقولون:

{إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ} قرأ الآيتين [الطور:٢٦ - ٢٨].

وجاء في التفسير أنّهم كانوا مشفقين من أن يسلبوا الإسلام فيوردوا يوم

<<  <  ج: ص:  >  >>