[العمل فيما أشكل من نصوص الصفات]
بعد أن بين المؤلف رحمه الله الواجب في أسماء الله وصفاته انتقل رحمه الله إلى بيان أن ما جاءت به النصوص مما يتعلق بصفات الله عز وجل؛ منه ما هو مشكل، ولذلك قال: (وما أشكل من ذلك وجب إثباته لفظاً) .
والنصوص من حيث دلالتها تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: نصوص واضحة الدلالة بينة، ليس فيها لبس؛ فهي واضحة في اللفظ، وواضحة في المعنى، وهذه هي التي تسمى المحكمة.
القسم الثاني من النصوص: ما فيه اشتباه، بمعنى: أن معناه فيه نوع غموض وخفاء، وهذا الغموض والخفاء يرجع شيء منه إلى اللفظ، كأن يكون اللفظ مجملاً ويرجع شيء منه إلى الفهم والعلم.
فالمتشابه من النصوص هو ما احتمل أكثر من معنى.
والواجب في المحكم الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً؛ هو الإيمان به وإثباته، أما المتشابه فالواجب فيه هو ما ذكره المؤلف رحمه الله فيما سيأتي من كلامه.
وقبل أن نفرغ من هذه النقطة نقول: إن النصوص في القرآن والسنة من حيث الدلالة والمعنى تنقسم إلى قسمين: القسم الأول منها: ما هو محكم، وهذا النوع هو الواضح الذي لا يحتمل إلا معنى واحداً، والنوع الثاني من النصوص: هو الذي يحتمل أكثر من معنى.
والمحكم مثل قول الله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ، فهذا النص محكم لأنه يدل على معنى واحد، وهو أن الله أحد جل وعلا، فقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] معناه واضح يدركه كل من عرف لسان العرب.
ومن النصوص التي يمثل بها العلماء للنص المتشابه قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] ، فالمتكلم بالقرآن والمنزل له واحد، وهنا يقول: (إنا نحن) فأتى بضمير الجمع، فهذا الضمير يحتمل أن المنزل للقرآن أكثر من واحد، وأن المتكلم بالقرآن أكثر من واحد، ويحتمل أنه أراد تعظيم نفسه وبيان عظيم قدره؛ لأن العرب تستعمل ضمير الجمع في حق من كان عظيم القدر، رفيع المنزلة والمكانة، فهذا يحتمل هذا المعنى، ويحتمل هذا المعنى.
والنصارى يقولون: إنكم تقرُّون التعدد، وأن الله ليس بواحد، والدليل قوله في كتابكم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] ، و (إنا) لا يمكن أن تدل على واحد، فهذا من المتشابه.
الواجب في المتشابه أن نرده إلى المحكم، والمحكم في كلام الله عز وجل هنا هو قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] ، فالمتيقن أن الضمير في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩] ، أنه للتعظيم، ونظائر هذا كل ما جاء من الألفاظ التي عبر الله عز وجل فيها عن نفسه بضمير الجمع، فإن ذلك جاء على وجه التعظيم؛ لأن العرب تستعمل هذا الأسلوب.
إذاً: النصوص الواضحة يجب الإيمان بها، والنصوص المتشابهة يجب ردها إلى المحكم والإيمان بها.