[حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع حصين بن المنذر الخزاعي]
ثم قال رحمه الله تعالى:(وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ حصين) وهو حصين بن المنذر الخزاعي والد عمران بن الحصين رضي الله عنه، وكان في مكة أتاه قومه-وكان شيخاً كبيراً- وقالوا له: إن محمداً يسفه أحلامنا، ويذم آلهتنا، فأته لعله يسمع منك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي لأصحابه:(أوسعوا للشيخ) -لكبر سنه-فقال له ما قال ينكر على النبي صلى الله عليه وسلم تسفيه آلهتهم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يا حصين! كم إلهاً تعبد؟ قال: سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من لرغبتك ورهبتك؟) يعني: من لما تحب وترغب؟ ومن لما تخاف وترهب؟ ومن الذي تدخره لمطالبك ومطامعك وآمالك فتسأله؟ قال حصين:(الذي في السماء) يعني: الله عز وجل، فـ حصين في هذه الحال كافر؛ لأنه أخبر بأنه يعبد سبعة، ولا يكون هذا من مسلم، ومع ذلك يعتقد أن الله في السماء، وهذا دليل من الأدلة التي تضاف إلى ما ذكره شيخ الإسلام وغيره من أن إثبات العلو لا يختص أهل الإسلام بل يقر به كل إنسان من مسلم أو كافر، قال:(فاترك الستة واعبد الذي في السماء) أي: لا تتوجه إليهم بعبادة ولا رغبة، (واعبد الذي في السماء) ، أي: أخلص عبادتك لله الذي في السماء.
(وأنا أعلمك دعوتين -وفي رواية-: كلمتين، فأسلم) ، ظاهر هذا السياق أنه أسلم في الحال، والذي يظهر من الروايات الأخرى أنه أسلم بعد حين، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(أوفني ما وعدتني، علمني الكلمتن) ، فعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمتين جامعتين تجمع للإنسان خير الدنيا والآخرة:(اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي) وفي رواية: (وأعذني من شر نفسي) ومن وفق إلى الرشد وإلى الوقاية من شر النفس فقد جمع الله له الخير؛ لأن الوقاية والرشد تحصل بها الهداية، فإن من ألهم رشده، أي: أعطي الهداية ووفق إليها، ووقي شر نفسه، فقد كمل له العلم النافع والعمل الصالح، فهو سأل الله عز وجل ما يعين على الهداية واجتناب ما يمنع منها.
لأن الذي يحصل به الضلال وعدم الاستقامة أمران: الجهل، وهذا يتوقاه بقوله: اللهم ألهمني رشدي، واتباع الهوى، وهذا يتوقاه بقوله: وقني شر نفسي، فإن الإنسان قد يكون عالماً بالحق لكن يحول بينه وبين اتباعه والأخذ به نفسه واتباع شهواته، فإذا وقي هذا ووفق إلى ذلك فقد كمل له الخير، وهذا الحديث رواه الترمذي وقال: غريب، وقد حسنه جماعة من العلماء، وهو من رواية الحسن بن أبي الحسن البصري عن عمران رضي الله عنه.