فهمنا من كلام المؤلف رحمه الله أن الشهادة والجزم بالجنة لا يمكن أن يكون إلا لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الشهادة بالنار لا يمكن أن تكون إلا لمن أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل النار، وقد جاء في الكتاب الخبر عن جماعة أنهم من أهل النار، من ذلك على وجه التعيين أبو لهب وامرأته، فقد شهد الله لهم بالنار:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[المسد:١-٥] فهذان شهد لهم الله جل وعلا بأنهما من أهل النار.
كذلك جاءت الشهادة لمعينين بالنار، كشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمرو بن لحي الخزاعي أول من بدل دين إبراهيم عليه السلام من العرب، حيث قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:(رأيته يجر قصبه في النار) وهذا يدل على أنه في النار، فالشهادة للمعينين جاءت في خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كذلك شهد لـ أبي طالب بأنه في النار، وجاء في صحيح مسلم الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أن أباه في النار، لما سأله الرجل عن أبيه فقال: أبوك في النار قال: ثم كأن الرجل وجد في نفسه واشتد عليه الأمر، فهون عليه النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له:(أبي وأبوك في النار) فهذه شهادة لمعينين.
لكن هل هؤلاء من أهل القبلة؟
الجواب
لا، ليسوا من أهل القبلة؛ لأنهم ممن لم يبعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم، بل كانوا قبله.
أما أهل القبلة فإنه لا يجوز الشهادة لأحد منهم مهما بلغ عصيانه وساءت أحواله وكثرت سيئاته بالنار، ما لم يرتكب مكفراً يخرج به عن ملة الإسلام، ويخلع به عن رقبته ربقة الإيمان، ففي هذه الحال يكون كافراً مرتداً، أما ما دام عصيانه لا يصل به إلى حد الكفر فإنه لا يحكم بكفره، ولا يشهد له بالنار.
كذلك الشهادة بالنار للمرتد، هذه محل خلاف بين أهل العلم؛ لأن كلام المؤلف السابق في أهل القبلة، لكن غير أهل القبلة من الكفار هل يشهد لهم بالنار؟ اختلف العلماء في هذا على قولين: منهم من قال: إنه يشهد لمن علم موته على الكفر بأنه في النار.
وقال آخرون: إن عقيدة أهل السنة والجماعة أن لا نشهد لمعين بجنة ولا نار ولو كان من أهل الكفر؛ لأننا لا نعلم حكم الله فيه، لكننا من حيث الحكم الدنيوي نحكم بكفره، وأنه من أصحاب الجحيم على وجه العموم، أما على وجه التعيين فنحتاج إلى نص ودليل.
فهذه المسألة فيها قولان لأهل العلم، لكل قول ما يسنده ويعضده، والسلامة أن لا نشهد لمعين بنار حتى يقوم الدليل والنص والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.