(من السنة) أي: من طريقة السلف التي كان عليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أئمة الدين هجران أهل البدع، والهجر: هو الترك والإعراض، والهجر سنة في محلها، وذلك فيمن يستحق الهجر، فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين تخلفوا عنه في غزوة تبوك، وأمر المسلمين بهجرهم.
فالهجر يختلف حكمه باختلاف الباعث عليه وما يحققه، لكن ندرك أن الهجر مصلحة، أي أن الهجر مقصوده تحصيل المصلحة كما هو الشأن في جميع أحكام الشريعة، فإذا كان الهجر يترتب عليه مفسدة فإنه لا يؤمر به وليس من الشرع، إنما يؤمر به ويعمل به إذا كان مصلحة.
يقول رحمه الله:(هجران أهل البدع) المقصود بأهل البدع هنا: من كانوا على طريقة مخالفة لطريق السلف ينافحون عنها ويدعون إليها ويعملون بها، وليس المراد بأهل البدع من وقع في مخالفة لطريق أهل السنة والجماعة في أمر من الأمور، إنما المقصود من كان طريقه مختلفاً عن طريق أهل السنة، يدعو إلى غير هدي السلف الصالح، ويعمل به وينافح عنه، وسيمثل المؤلف رحمه الله لأهل البدع الذين يقصدهم ويعنيهم بكلامه بقوله:(كالرافضة والجهمية والخوارج والقدرية والمرجئة والمعتزلة والكرامية والكلابية ونظائرهم) أي: ممن كان على مرتبتهم ودرجتهم، فالمقصود بأهل البدع الذين من السنة هجرهم هم: من كان على طريق مخالف لطريق أهل السنة والجماعة في قوله وعقده، وعمله ودعوته.
قال رحمه الله:(هجران أهل البدع ومباينتهم) أي: عدم الاختلاط بهم حتى لا يشتبه حالهم على الناس فيقبلون منهم.