للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمثلة على الإرادة الكونية والشرعية]

مثال النوع الأول من الإرادة وهي الإرادة الكونية الخلقية قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:١٦] قلنا: إن الإرادة هنا إرادة كونية؛ لأنها تشمل كل ما في الكون، فإنه داخل في إرادته هذه سواء كان يحبه أو لا يحبه.

مثال آخر: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] ، ومثال الإرادة الكونية أيضاً قول نوح عليه السلام لقومه في نصيحته لهم: {وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود:٣٤] أي نوع من الإرادة هنا: الشرعية التي يحبها ويرضاها أو الكونية التي تنتظم كل ما يقع في الكون؟ الكونية.

قول الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] الإرادة المذكورة في الآية هي الكونية؛ لأنه بها يقع الضلال والفساد، ويقع الخير والصلاح؛ لأنها تنتظم كل شيء، وهذه الآية تشكل على بعض طلبة العلم، ويظن أنها تجمع نوعي الإرادة، لكن هذا ليس مقصوداً، فليس المقصود إثبات نوعي الإرادة، إنما الإرادة هنا إرادة واحدة وهي الإرادة الكونية: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] وهذه الآية نظير قوله تعالى: {مَنْ يَشَأْ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:٣٩] .

والمشيئة: هل تنقسم إلى مشيئة شرعية ومشيئة كونية أم أنها مشيئة واحدة تنتظم كل شيء؟ المشيئة واحدة لا تنقسم إلى شرعية دينية وخلقية كونية، بل هي واحدة في كل شيء، ولذلك فالإرادة الكونية هي المشيئة.

يقول المؤلف رحمه الله بعد أن ذكرنا هذين القسمين: (لا يكون شيء إلا بإرادته) أي الإرادة الكونية، (ولا يخرج شيء عن مشيئته) والمشيئة تشمل كل ما يكون ولا تنقسم، بخلاف الإرادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>