للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تكذيب الله لمن وصف القرآن بالشعر]

قال رحمه الله: (وهو هذا الكتاب العربي الذي قال فيه الذين كفروا: {لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ} [سبأ:٣١] ) ، يعني: أن الذي تحدى الله عز وجل الإنس والجن بأن يأتوا بمثله هو هذا القرآن الذي كذب به أهل الكفر حيث قالوا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ:٣١] ، أي: ولا بالذي تقدمه وسبقه من الكتب.

(وقال بعضهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:٢٥] ) ، و (إن) هنا بمعنى ما النافية، فهي تنفي أن يكون هذا القرآن شيئاً من الأشياء إلا قول البشر، أي: قول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كذبهم الله جل وعلا بهذا، وقال: فإذا كان قول البشر فأتوا بمثله؛ فإنكم لا تعجزون بأن تأتوا بمثله وأنتم أصحاب اللسان والبيان.

قال الله تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:٢٦] ، وهذا في حق من قال: إن القرآن قول البشر، فقد تهدد الله جل وعلا وتوعد أنه سيصليه سقر، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:٢٧-٣٠] ، وهي نار جهنم، نسأل الله السلامة والعافية؛ فتهدد الله وتعود كل من قال: إن القرآن كلام البشر بهذا الوعيد الشديد.

قال المؤلف: (وقال بعضهم -أي: بعض العرب- هو شعر، فقال الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:٦٩] ) ، أي: ما علمنا محمداً صلى الله عليه وسلم الشعر، فهو لا يقول شعراً، وما يكون منه من بيت أو شبهه، فإنه لا يوصف بسببه بأنه شاعر، إنما هو شيء مما قد يرد عن كل أحد، ولا يوصف من قال بيتاً أو بيتين أو ثلاثة بأنه شاعر، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلمه ربه عز وجل الشعر، وذلك أن الشعر وظيفة أهل البيان الذين ينشئون المعاني والألفاظ من قبل أنفسهم، ويتجاوزون الحدود في وصف ما يصفون أو قول ما يقولون، وقال الله عز وجل: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء:٢٢٤-٢٢٦] ، فلما كان هذا هو الوصف الغالب لهؤلاء نفى الله جل وعلا عن رسوله أن يكون شاعراً، بل نفى عنه تعلم الشعر فضلاً عن أن يكون قائلاً له.

(وما ينبغي له) : أي: ويستحيل عليه، (إن هو) أي: ما هذا القول وهذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس:٦٩] ، وشتان بين قول رب العالمين وبين ما ينشئه الشعراء أو يقوله أصحاب البيان من الفصحاء؛ فالبون بينهما شاسع، والفرق بينهما كالفرق بين صفات الله عز وجل وبين صفات المخلوقين: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] .

وكل من سمع القرآن وقرأه يعلم أنه ليس قول البشر إنما هو قول رب العالمين، أما قوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [يوسف:١٠٤] ، فـ (إن) هنا بمعنى ما النافية، أي: ما هو إلا ذكر وقرآن مبين، (فلما نفى الله عنه أنه شعر وأثبته قرآناً لم يبق شبهة لذي لب أو عقل وبصيرة، بأن القرآن هو هذا الكتاب العربي الذي هو كلمات وحروف وآيات؛ لأن ما ليس كذلك لا يقول أحد إنه شعر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>