للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إقسام الله على أن القرآن كلامه]

قال رحمه الله: (وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٧-٧٩] ) : (إنه لقرآن كريم) أي: هذا الكلام الذي جئت به يا محمد قرآن كريم، ومعنى: (كريم) : كثير الخير والبركة والإحسان والفضل والأجر، فالكريم فعيل بمعنى فاعل مكرم لأهله، يشفع لهم في القبر، ويشفع لهم في الآخرة، ويحصلون به خيراً كثيراً، كما قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:٢٩] ، فهو مبارك في لفظه ومعناه مبارك على حافظه والعامل به مبارك في الدنيا والآخرة والبرزخ والمحشر، بركته من أعظم البركات، نسأل الله عز وجل أن يرزقنا بركة هذا الكتاب المبين.

(فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) أي: محفوظ، والمراد بالكتاب المكنون هنا: اللوح المحفوظ؛ فالكتاب في الكتاب المكنون، ولا يخلو هذا من أحد معنيين: المعنى الأول: أن يكون ذكره في الكتاب المحفوظ، لا جميع آياته وكلماته، وهذا نظير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء:١٩٦] ، أي: هذا القرآن مذكور في زبر الأولين، وليس أنه قد جاءت به الرسل التي سبقت النبي صلى الله عليه وسلم.

المعنى الثاني: أن القرآن بجميع آياته وألفاظه في الكتاب المكنون قبل أن يتكلم الله جل وعلا به، وهذا معنى ثانٍ لقوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:٧٧-٧٩] ، والمقصود به اللوح المحفوظ والمطهرون هم الملائكة، ومن استدل بهذه الآية على أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة؛ فإن استدلاله لا يصح على هذا المعنى؛ لأن الكتاب المكنون ليس القرآن، إنما الكتاب المكنون هو اللوح المحفوظ.

يقول رحمه الله تعالى: (بعد أن أقسم على ذلك) ، أي: أقسم على قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:٧٧-٧٨] ، والقسم هو قوله: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة:٧٥-٧٧] .

وقوله: (لا أقسم) : للعلماء فيها أقوال: منهم من قال: إن (لا) هنا زائدة صلة، والتقدير: أقسم بمواقع النجوم، وقيل: هي لنفي كلام سابق مقدم، أي: لا أنظر إلى ما تقولون، ولا أستمع إلى شبهكم، وأقسم بمواقع النجوم، فهي لنفي كلام سابق، وقيل: إنها تفيد التوكيد والتحقيق لهذا القسم؛ فإن العرب تزيد (لا) في القسم لتوكيده، وقيل: هي للنفي، أي: لست محتاجاً إلى أن أقسم لوضوح الأمر وبيانه، والصحيح: أن (لا) هنا صلة تفيد توكيد القسم، ولا نحتاج إلى أن نقدر منفياً كما ذكرت في الأقوال السابقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>