للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من اعتقاد أهل السنة أنهم لا يقطعون لأحد بجنة أو نار]

يقول رحمه الله: [ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار] بعد أن فرغ من بيان حكم من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وما الواجب تجاهه، انتقل إلى بيان المسكوت عنهم، ما حكمهم؟ فمن سكت عنه ولم يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم هل هو من أهل الجنة أو لا، هل نشهد له بالجنة أو لا؟

الجواب

يقول: (ولا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار) ففهم من هذا: أننا لا نجزم لأحد كائناً من كان بأنه من أهل الجنة أو بأنه من أهل النار، بل الواجب التوقف حتى يأتي بيان من الله أو بيان من رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه من أهل الجنة أو أنه من أهل النار، وقوله: (لا نجزم) أي: لا نقول ذلك على وجه الجزم والقطع، وهل نقوله على وجه الرجاء؟ الجواب: نعم، نقول فيمن قام فيه دليل الصلاح وعلامات الاستقامة: إننا نرجو أن يكون من أهل الجنة، فنرجو للمحسن ونخاف على المسيء، لكن الرجاء أمر دون الشهادة والجزم، فالبحث في الجزم، فإننا لا نجزم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار؛ لأن هذا من الغيب، وهو من الخبر الذي لا يمكن أن يقبل إلا بقول الله أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقول المؤلف رحمه الله: (لأحد من أهل القبلة) أي: سواء كان من أهل الفضل والإحسان، أو كان من أهل الإساءة والتقصير، فيشمل كل من توجه إلى القبلة من أهل الإسلام، وأهل القبلة هم أهل الإسلام، ويعبر العلماء عن المسلمين بهذا الاسم لكونهم يجتمعون في هذا الأمر، فكل من ادعى الإسلام فإنه لا بد أن يتوجه إلى القبلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (من استقبل قبلتنا، وذبح ذبيحتنا، ونسك نسيكتنا؛ فهو المسلم الذي له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين) وهذا يبين أن كل من اتصف بهذا الوصف فإنه من أهل القبلة، فهذا الوصف مأخوذ من هذا الحديث ونظائره، ويوصف أهل الإسلام بأنهم أهل الصلاة؛ ولذلك سمى بعض من ألف في مقالات المسلمين قال: ومقالات المصلين، يريد بذلك أهل الإسلام، فقوله رحمه الله: (ولا نجزم لأحد من أهل القبلة) يعني: لأحد من أهل الإسلام.

(بجنة ولا نار) أي: لا نقول: إنه في الجنة، ولا نقول: إنه في النار [إلا من جزم له الرسول صلى الله عليه وسلم] فلا نجزم لمعين بأنه في الجنة إلا إذا جاءنا الخبر عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أنه في النار إلا إذا جاء الخبر عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول: [لكنا نرجو للمحسن ونخاف على المسيء] ، نرجو الإثابة والفضل والأجر والجنة للمحسن، وهو الذي حقق الإسلام بالعمل الصالح والنية الخالصة، وأما المسيء فهو من خالف ذلك، إما فساد في العمل وإما فساد في النية.

فالمحسن نرجو له فضل الله عز وجل ورحمته، وأما المسيء فإننا نخاف عليه، وذلك أن الحساب بين يدي الله عز وجل لا يجري على الظواهر فحسب، بل إنه يجري على ما يقوم في القلب، وقد يظهر من إنسان الاستقامة وحسن الحال، والباطن على خلاف ذلك، فالعبرة بما يقوم في القلوب وتصدقه الأعمال، كما في حديث أبي هريرة في صحيح الإمام مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وفي رواية: (وأعمالكم) فالنظر والحساب والجزاء على ما يقوم في القلوب من الإيمان والتصديق، وحسن الاعتقاد الذي يتبعه صلاح العمل، فإنه لا يمكن أن يستقيم القلب ويصلح وتكون الجوارح على خلاف ذلك، ما لم يوجد مانع.

<<  <  ج: ص:  >  >>