[وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته]
قال المؤلف رحمه الله: [وعذاب القبر ونعيمه حق، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه، وأمر به في كل صلاة] .
عذاب القبر: هو ما يكون من العذاب الذي يكون في القبر، ونعيمه: أي النعيم الذي يكون في القبر.
وعذاب القبر ونعيمه ثابت بالكتاب والسنة، وقد أجمع عليه سلف الأمة، فأدلة الكتاب وأدلة السنة في ثبوته كثيرة.
يقول المؤلف: (وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه، وأمر به في كل صلاة) أي: أمر بالاستعاذة منه في كل صلاة.
وعذاب القبر: أي العذاب الواقع في القبر، وهذا من باب إضافة الشيء إلى محله، وليس هذا حصراً على القبور، فمن لم يقبر فإنه يدركه عذاب القبر ونعيمه ولو لم يكن في قبر، فهو إضافة للعذاب إلى محله الغالب، وإلا فإن العذاب يكون للمقبور ويكون لغير المقبور.
ودليله من الكتاب قوله تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] ، فأخبر الله عز وجل في هذه الآية بأن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشيا، ثم أخبر ما يكون من حالهم يوم القيامة، فقال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] .
ومن الأدلة التي يستدل بها العلماء على عذاب القبر قول الله عز وجل: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً} [نوح:٢٥] .
ومن الأدلة الدالة على عذاب القبر أيضاً قول الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:٥٠] ، فذكر الله عز وجل حالهم في العذاب وقت قبض أرواحهم، ثم قال: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) فذكر بعد ذلك عذاب الحريق الذي هو عذاب بالنار، نسأل الله السلامة والعافية.
والمراد: أن الأدلة الدالة على العذاب الواقع في القبر كثيرة، وكذلك النعيم فإن أدلته كثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه) أي: من عذاب القبر، وذلك فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استعيذوا بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) وقد قال ابن عباس: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن) وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من أربع: من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) ، وهذا العذاب يستحقه كل من كان كافراً بالله العظيم، فإنه يعذب في القبر عذاباً دائماً كما قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:٤٦] ولم يذكر لذلك منتهى، ثم قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] ، ففهم من هذا أن عذابهم دائم ومستمر.
النوع الثاني من العذاب: العذاب المنقطع، وهو ما يكون لبعض العصاة الذين يعذبون جزاء ما اقترفوا من جرم وما وقعوا فيه من ذنب، ثم يرفع عنهم العذاب.
ومن أدلة أن العذاب في القبر متفاوت من حيث الدوام وعدمه، ومن حيث الشدة والخفة، حديث ابن عباس رضي الله عنه في قصة مرور النبي صلى الله عليه وسلم على القبرين حيث غرز على كل قبر جريدة وقال صلى الله عليه وسلم: (لعله يخفف عنهما مالم ييبسا) ، فدل ذلك على أن عذاب القبر ليس على درجة واحدة، بل هو متفاوت من حيث الشدة والخفة، وهو أيضاً متفاوت من حيث الدوام والانقطاع، فالكفار عذابهم فيه دائم، وأما أهل الإسلام الذين وقع منهم بعض المعاصي التي يستحقون العقوبة من أجلها في القبر فإنه قد يكون منقطعاً، وهذا العذاب الذي يصيب بعض أهل الإسلام في القبر يكفر الله به عنهم من الخطايا، ويكون حاطاً عنهم ما قد يعاقبوا بسببه في النار، فهو من جملة ما يصاب به المسلم، ويكفر به من خطاياه، حتى لا يعاقب عليها في الآخرة.