للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب اعتقاد فضل الصحابة والكف عما شجر بينهم]

قال: (والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم، واعتقاد فضلهم) يعني: الكف عن ذكر مساوئهم وعن ذكر ما شجر بينهم، أي: اشتبك ووقع بينهم من خلاف، فإن الواجب الكف عما شجر بينهم، فلا يجوز لمؤمن يرغب في النجاة ويحب السلامة أن يقع في ذكر ما وقع بين الصحابة من خلاف، بل الواجب الإعراض عن تلك الفتنة وعدم الوقيعة فيها أو التكلم بها أو ذكرها.

قال رحمه الله: [واعتقاد فضله] أي: يجب أن يعتقد فضلهم، فالواجب أن نعتقد فضلهم رضي الله عنهم، وأن نعرف ما لهم من السابقة والمكانة؛ ولذلك قال: (واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم) أي: أنهم سبقوا إلى الخير، وسبقوا إلى الفضل، وسبقوا إلى نصرة الشريعة ونصرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ثم استدل المؤلف رحمه الله لما تقدم من واجبات في حق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:١٠]] هذه الآية جاءت في سياق بيان الذين يستحقون الأخذ من الفيء، والفيء: هو ما يوقف عليه من أموال الكفار بلا قتال، فجعل الله عز وجل الحق فيها: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر:٨] ثم ذكر الله عز وجل ممن يستحق الفيء بعد ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي: من بعد المهاجرين والأنصار، لكن ليس كل أحد جاء بعدهم إنما من كان على هذه الصفة {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠] ، فهذا فيه الدعوة لهم بالرحمة والدعوة لهم بالمغفرة.

قال: [وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩]] وهذا من أبرز ما تميز به الصحابة رضي الله عنهم أنهم أشداء على أعداء الله الذي يحادون الله ويكذبون رسله، وهم فيما بينهم أهل رحمة وتواضع وخفض جناح وذلة وتقارب، حتى إنه وصفهم الله عز وجل بهذا الوصف في قوله تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩] والرحماء: جمع رحيم، والرحيم: هو الذي يسعى في إيصال الخير وقطع الشر عن المرحوم، فهم رضي الله عنهم كانوا يسعون في إيصال كل خير لكل من يعرفونه من أهل الإسلام، ويسعون في قطع كل شر عمن يعرفونه من أهل الإسلام رضي الله عنهم وأرضاهم، وكفى بتزكية الله عز وجل لهم تزكية في هذه الآية وفي غيرها من الآيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>