أيها الإخوة! إن النصوص التي حث الله جلَّ وعلا فيها الأمة على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم كثيرةٌ جداًً، ولا نستطيع أن نأتي على أكثر مما ذكرنا لِقِصَر الوقت، إلَّا أن في سيرة الصحابة وفيما عملوه، وما حفظته دواوين السنة لنا من هديهم في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جنوا به من البركات والخيرات؛ شاهدٌ على ذلك، فإن جيل الصحابة أكمل الأجيال، وهو خير القرون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) خيريتهم لم تكن لأنهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفلان وفلان من الصحابة، إنما خيريتهم حصلت لما كانوا عليه من العمل والمسابقة إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة لهم تمام الانقياد لما كان يفعله صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك نموذج حفظته السنة وهو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يصلي بأصحابه في إحدى المرات فخلع نعليه وهو في الصلاة، فما كان من الصحابة رضي الله عنهم إلَّا أن خلعوا نعالهم) تأسياً واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، لبس الخاتم فلبسوه، خلع الخاتم فخلعوه، وهكذا كانوا ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم، حتى أنهم حفظوا لنا حركة لحيته وهو يصلي؛ لشدة تأسيهم به؛ ونظرهم إلى أفعاله ليقتدوا بها ويتأسوا.
ومن عجيب ما حفظوه لنا: عدد ما في رأسه ولحيته من الشيب! فحفظوا أن في رأسه ولحيته سبع شعرات من الشيب فقط لا غير، وهذا دليل على أن الصحابة جعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت المجهر عندهم، يرقبون فعله، وينظرون إلى ما يفعل، وليس نظر ترفُّه وتفكُّه وحب استطلاع، وإنما هو نظر اتباع واقتداء، فكانوا يهتدون ويقتدون به في دقيق الأمر وجليله.