[طاعة ولاة أمور المسلمين]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن السنة: السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله، فإنه لا طاعة لأحد في معصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار الخليفة وسمي (أمير المؤمنين) ، وجبت طاعته، وحرمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين] .
عاد المؤلف رحمه الله إلى ذكر ما يجب لولاة الأمر من أئمة المسلمين، وقد بينا أن قوله رحمه الله: (من السنة) أي: من الطريقة التي سار عليها أهل السنة والجماعة، وسلكها أئمة هذا الدين من الصحابة فمن بعدهم.
قوله: (السمع والطاعة لأئمة المسلمين) السمع معناه: القبول، والطاعة معناها: الامتثال، وليس المراد بالسمع هنا إدراك الأصوات، إنما المراد بالسمع في مثل هذا المقام القبول، والطاعة: التنفيذ والامتثال، ومنه قول القائل في صلاته: سمع الله لمن حمده، أي: أجاب الله من حمده، فالسمع ليس المراد منه في مثل هذه الموارد إدراك الأصوات، بل المراد به ما هو أكثر من ذلك من قبول ما يقول وامتثال ما يأمر.
والأئمة جمع إمام، والإمام هو من يؤتم ويقتدى به ويجتمع عليه.
وقوله رحمه الله: (لأئمة المسلمين) أي: الذين يأتم بهم أهل الإسلام ويجتمعون عليهم.
قال: (وأمراء المؤمنين) أي: من تأمروا على أهل الإيمان، فحقهم أن يسمع لهم وأن يطاع لهم، وأدلة هذا أكثر من أن تحصى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩] فأمر الله عز وجل بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر الذين لهم ولاية، وهذه الآية لا تختص بمن له الولاية العليا فحسب، بل هي شاملة لمن له الولاية العليا ومن كان دونه من أصحاب الولايات، فإنه يطاع كل ولي فيما له فيه ولاية، هذا هو الواجب، وهذا هو الذي دلت عليه الآية.
وأما السنة فقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (على المرء المسلم السمعُ والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا طاعة، أو فلا سمع ولا طاعة) وهذا يدل على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر، وقد قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه في بيان ما بايع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والسمع والطاعة، والنصح لكل مسلم) ، وفي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر على أثرة علينا، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) .
كل هذه الأدلة وغيرها كثير في سنة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على السمع والطاعة، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوجوب السمع والطاعة عند الاختلاف والتفرق كما في حديث العرباض بن سارية: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) الحديث.
ومن سنته صلى الله عليه وسلم: السمع والطاعة، ولو كان المتأمر عبداً حبشياً، أي: ممن لا يرى له العرب حقاً في الولاية، هذا هو المقصود من التمثيل بالعبد الحبشي، وليس ذماً له أو انتقاصاً له، لكن لما كانت العرب تأبى نفوسهم في ذلك الوقت أن يتأمر عليهم مثل هذا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: حتى ولو كان على هذه الصفة.