[لواء الحمد المعقود للنبي صلى الله عليه وسلم في الموقف]
ذكر المؤلف رحمه الله شيئاً مما اختص الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(صاحب لواء الحمد) ، واللواء هو الراية التي يحملها قائد الجيش في الغالب؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع له يوم القيامة لواء يحمله، وهذا اللواء يسمى بلواء الحمد، ولذلك أضاف اللواء إلى الحمد فقال:(صاحب لواء الحمد) ، والحمد أي حمد الله جل وعلا، وهو: ذكر المحمود بصفات الكمال محبة وتعظيماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أعلى الناس حمداً لربه في ذلك الموقف، ويدل لذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الشفاعة قال: (فأسجد فأحمد الله عز وجل بمحامد يفتحها علي لا أعلمها الآن) ، محامد يدركها ويعلمها في تلك الساعة، وفي ذلك الوقت؛ ولذلك يعطى لواء الحمد صلى الله عليه وسلم؛ لكونه أعظم الخلق حمداً لربه في ذلك الموقف.
وهذا اللواء للعلماء فيه قولان: منهم من قال: إنه لواء معنوي، ومنهم من قال: إنه لواء حقيقي، والصواب أنه لواء حقيقي؛ لأن الأصل فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقة لا المجاز، ولا تقل: كيف يكون حقيقياً، نقول: أمر الآخرة ليس مما تدرك العقول حقائقه وتتبين كيفياته، بل نؤمن به على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم دون أن نلج في كيفية ذلك، فإن النصوص قد أخبرت بألوية تكون يوم القيامة، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ينصب لكل غادر يوم القيامة لواء، يقال: هذه غدرة فلان) ، وهذا اللواء حقيقي، ولذلك يشار إليه ويقال: هذه غدرة فلان، وهذا اللواء الذي عقد للغادر لواء حقيقي يدرك، فما المانع من أن يكون لواء الحمد الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم هو لواء حقيقي، وهذا هو الأصل?! واختلف العلماء رحمهم الله في سبب اللواء، فقيل: إن اللواء سببه أنه يفتح للنبي صلى الله عليه وسلم من الحمد ما لا يفتح لغيره، وقيل: إن هذا اللواء سببه موقف النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم، حيث يفتح الله له من الفضل والمكانة والعمل ما ينفع به جميع الناس مسلمهم وكافرهم في الشفاعة في فصل القضاء؛ لأنه قد جاء في بعض الآثار: أن الكفار يطلبون الخلاص من موقف القيامة حتى ولو كان ذلك إلى النار؛ لأن الإنسان في الشدة قد يتصور أن هذا أعلى ما يكون من العذاب، ويغيب عنه أن ما سيقبل عليه أعظم وأشد؛ ولذلك جاء في بعض الآثار: أن شدة الموقف على أهله تحمل الكفار أن يقولوا: ربنا خلصنا ولو إلى النار، ويظنون أن النار أهون من ذلك الموقف، وهي في الحقيقة أشد وأنكى، نسأل الله السلامة والعافية! والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم يحمده في ذلك الموقف كل أحد حتى الكفار، وهذا من معاني اللواء المحمود، وثم أقوال أخرى في سبب اللواء المحمود منها: أنه لإجلاس الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم على العرش، والذي يظهر: أنه لما له من المنزلة في ذلك الموقف، والفضائل العامة التي تعم كل أحد، والخاصة التي تختص بها أمته، وتختصه هو صلى الله عليه وعلى آله وسلم.