ثم قال رحمه الله: [ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نخرجه عن الإسلام بعمل، ونرى الحج والجهاد ماضيين مع طاعة كل إمام، براً كان أو فاجراً، وصلاة الجمعة خلفهم جائزة، قال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من أصل الإيمان: الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل) ] يقول رحمه الله: (ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب) أي: لا نحكم بالكفر على أحد من أهل القبلة الذين ثبت إسلامهم بإقامة الصلاة واستقبال البيت (بذنب) أي: بسبب ذنب.
الذنب يشمل الصغير والكبير، الدقيق والجليل من الذنوب، ما عدا ما يحصل به الكفر والردة، فمن كفر بالله عز وجل كفرناه، ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم أو كذبه كفرناه، ومن امتهن القرآن ودنسه كفرناه، فقوله رحمه الله:(بذنب) يعني من كبائر الذنوب التي لم يأت النص بأنها كفر، كشارب الخمر والزاني والسارق وغير ذلك من الكبائر والذنوب، فإننا لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب؛ لأن الأصل أن من كان إسلامه ثابتاً بيقين فإنه لا ينقل عنه إلا بيقين، وهذه قاعدة مهمة يستفيدها طالب العلم لا سيما عند الاشتباه، والأصل بقاء ما كان على ما كان، وأن من حكم بإسلامه فهو باق على هذا الوصف لا يرتفع عنه إلا بدليل، فإذا اشتبه الإنسان هل هذا يحصل به الكفر أو لا يحصل به الكفر؟ فالأصل أنه لا يحصل به الكفر، وأنه باق على الإسلام.
(فلا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب) ينبغي أن تقيد هذه الجملة بما عدا ما وقع الخلاف فيه بين أهل العلم من المسائل هل يكفر بها صاحبها أو لا، فهناك من المسائل ما وقع فيها الخلاف بين العلماء وهي من جملة الذنوب.
فمثلاً: ترك الصلاة، هذا من الذنوب التي اختلف فيها العلماء رحمهم الله من حيث الكفر إلى قولين: فمنهم من يرى التكفير بترك الصلاة ولو كانت صلاة واحدة إذا تركها عمداً دون عذر حتى خرج وقتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) والحديث الآخر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل والشرك أو الكفر ترك الصلاة) ، فهذا خارج عن قول المؤلف رحمه الله:(ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب) .
فما وقع فيه الخلاف بين أهل العلم من الذنوب هل يكفر بها صاحبها أو لا فإنها لا تدخل في هذه الجملة، لوقوع الخلاف بين السلف، والمقصود بالذنوب ما اتفق العلماء على أنها ذنب، كالكبائر من الزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك.
فأركان الإسلام مما اختلف العلماء رحمهم الله في تاركها هل يكفر أو لا؛ أعني الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، فالخلاف بين العلماء في تاركها مشهور، فهذه خارجة عن بحثنا.
قوله رحمه الله (ولا نخرجه عن الإسلام في عمل) ما لم يكن هذا العمل ينتقض به إسلامه، ويرتفع به عنه وصف الإسلام، مثاله: الذبح لغير الله، فهذا عمل، فهل نخرجه من الإسلام بذلك؟
الجواب
نعم، لكن المقصود بالعمل: ما كان من كبائر الذنوب والخطايا والآثام، أما الشرك فإنه كفر، قال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}[المائدة:٧٢] ، فلا بد من الحكم بمقتضى ما قام بالإنسان من وصف، فإذا قام به وصف الكفر مع اعتقاده دون عذر مع توفر الشروط وارتفاع الموانع فإنه يحكم بكفره.