قال: [وروى أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا) وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كم بين كل سماء والتي تليها، وذكر الخبر إلى قوله:(وفوق ذلك العرش والله سبحانه فوق ذلك) أي: فوق العرش، ويمكن أن يقول: والله سبحانه فوق ذلك، أي: فوق كل ما تقدم، وقوله:(والله سبحانه فوق ذلك) ، يحتمل أن يرجع إلى العرش، ويحتمل أن يرجع إلى ما عداه من السموات المذكورة.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهو مشهور عند أهل العلم بحديث الأوعال؛ لأن فيه ذكر الأوعال التي تحمل العرش، وهو حديث صحيح رواه أهل السنن أبو داود والترمذي وابن ماجة، ورواه ابن خزيمة، وقد طعن فيه بعضهم، لكن طعنهم واهٍ، فالحديث ثابت، ولا تنتفي صفة العلو بتشغيب من شغب بتضعيفه لأن الحديث والآيات مستفيضة في الدلالة على أن الله تعالى فوق كل شيء.
يقول رحمه الله:[فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف رحمهم الله على نقله وقبوله](هذا) أي: ما تضمنته الآيات والأحاديث المتقدمة من إثبات استوائه جل وعلا وعلوه على عرشه، وما أشبهه مما أجمع السلف على نقله وقبوله، [ولم يتعرضوا لرده، ولا تأويله، ولا تشبيهه، ولا تمثيله] بل جروا في هذه الصفة على ما جروا عليه في سائر الصفات، فهم لا يردون، ولا يكذبون، ولا يحرفون، ولا يمثلون.
واعلم أنه لا سلامة لأحد في خبر الله أو خبر رسوله صلى الله عليه وسلم عما يتصف به الرب جل وعلا إلا بسلوك هذا السبيل، فهو أن يثبت ما أثبته الله لنفسه، أو يثبت ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فإن هذه الاحترازات الأربع، وهي نفي التحريف ونفي التعطيل، ونفي التمثيل ونفي التكييف، يسلم بها المرء من الضلالات في باب الأسماء والصفات، ولذلك كرر المؤلف رحمه الله قوله:(ولم يتعرضوا لرده ولا تأويله، ولا تشبيهه ولا تمثيله) ، فإن أهل السنة والجماعة يثبتون ذلك على الوجه اللائق بالله عز وجل، وأذكر دائماً أن حظ النصوص عند أهل السنة التسليم والقبول، مع حسن الفهم كما تقدم ذلك فيما ذكرناه من قول ابن القيم في نونيته: فالجحد والإعراض والتأويل والتجهيل حظ النص عند الجاني أما حظه عندنا فهو التسليم مع حسن القبول وفهم ذي إحسان فإن هذين البيتين يختصران لك الضلالات التي وقع فيها من وقع في باب الأسماء والصفات، ويبينان لك طريق السلامة من هذه الضلالات؛ فيحسن حفظ هذين البيتين.