ثم قال:(له أول وآخر) ، ولا إشكال في أن للقرآن أولاً وآخراً، فأوله بسم الله الرحمن الرحيم في سورة الفاتحة، وآخره ما ذكر الله في آخر سورة الناس:{مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ}[الناس:٦] .
يقول رحمه الله:(وأجزاء وأبعاض) ، هذا يرد به على الأشاعرة والكلابية الذين قالوا: إن كلام الله معنى قائم في النفس، ليس له حرف ولا أجزاء ولا أبعاض، وليس فيه أحرف ولا كلمات، بل حتى الذين قالوا: إنه معنى واحد أو ثلاثة أو خمسة يقولون: هذا التقسيم ليس أجزاء ولا أبعاضاً، بل الكلام الذي يصفون به الله عز وجل معنى قائم أزلي أبدي؛ فهو في الأزل والأبد لا يتبين منه حرف ولا صوت، معناه واحد؛ إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بغير ذلك كان على حسب ما عبر عنه من توراة أو إنجيل، هكذا قالوا، وهم بهذا يكذبون القرآن، ويكذبون ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما أجمعت عليه الأمة.
إذاً: مراد المؤلف من قوله: (وأجزاء وأبعاض) ، أي: أن كلام الله حروف وكلمات وأجزاء كما تقدم، وليس معنى قائماً بالنفس.
قال:(متلو بالألسنة محفوظ في الصدور) ، أي: تقرؤه ألسنة المسلمين، محفوظ في صدورهم، فلا يخرج عن كونه متلواً بالألسنة ولا يخرج بكونه محفوظاً في الصدور عن أن يكون كلام رب العالمين.
وذكر المؤلف هذا حتى لا يقول قائل: إن القرآن الذي بين أيدينا ليس كلام الله، وإنما هو شيء في صدورنا، وفي صحائف من كتب، وألسنة من قرأ، فنقول له: لا؛ لأن الكلام يضاف إلى من تكلم به ابتداء لا إلى من قرأه أو كتبه أو حفظه، فنحن نقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) ، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، والرواة الذين نقلوه نقلوه على أنه كلامه صلى الله عليه وسلم، والأمة لما تلقت هذا الحديث تلقته عنهم على أنه من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من النبي تلفظ به من تلفظ، وكتبه من كتبه، وحفظه من حفظه، ولا يخرجه هذا كله عن أن يكون كلامه، وهذا هو مراد المؤلف بقوله:(متلو بالألسنة، محفوظ في الصدور، مسموع بالآذان، مكتوب في المصاحف) ، فكل هذا لا يخرج القرآن عن كونه كلام رب العالمين، فهو كلام الله عز وجل سواء كان متلواً أو مسموعاً أو محفوظاً أو مكتوباً.