للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صفة الصراط ومن يجوزه]

ثم ذكر المؤلف رحمه الله الصراط قال: [والصراط حق يجوزه الأبرار، ويزِل عنه الفجار] .

الصراط على وزن فعال بمعنى مفعول، أي: مصروط، والصراط في لغة العرب يطلق على الطريق الواسع الرحب الذي لا ضيق فيه؛ ولذلك قال جماعة من العلماء: إن الصراط واسع؛ لأنه لا يطلق هذا الوصف إلا على ما اتسع، وقال آخرون في وصفه حسب ما جاءت به بعض الآثار من أنه: (أدق من الشعرة وأحد من السيف) ، ولا يعارض هذا وصفه بالصراط لكونه صراطاً مسلوكاً يمر عليه الناس، فالصراط هو الجسر المضروب على جسر جهنم، ولا يدخل أحد الجنة إلا بالمرور عليه، فكل من صار إلى الجنة فقد مَرَّ على الصراط.

والصراط إنما يمر ويسير عليه أهل الإسلام دون غيرهم، وأقصد بأهل الإسلام كل من كان مسلماً سواء من هذه الملة أو من الأنبياء من قبل، فأهل الكفر لا يجوزون الصراط ولا يأتون إليه، بل يصار بهم إلى النار ابتداءً، كما في حديث أبي سعيد وأبي موسى في الصحيحين: (أنه ينادى في الناس يوم القيامة فيقال: من كان يعبد شيئاً فليتبعه) ؛ فيتبع عباد الشمس الشمس، ويتبع عباد القمر القمر، ويتبع عباد الطواغيت الطواغيت، ويصيرون إلى النار يلقون فيها يكبكبون، كما قال الله عز وجل: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الشعراء:٩٤-٩٥] ، فيلقون فيها إلقاءً.

أما الصراط فإنه لا يجوزه ولا يمر عليه إلا أهل الإسلام، وذلك أن كل أمة كانت تعبد شيئاً فإنها تتبع ما كانت تعبد، ثم يبقى أهل الإسلام في مكانهم في أرض المحشر؛ فيأتيهم الله عز وجل في الصورة التي يعرفون فيسجدون له، ثم بعد ذلك يجوزون الصراط على حسب أعمالهم.

يقول رحمه الله: (والصراط حق يجوزه) أي: يعبره وينفذ منه (الأبرار، ويزل عنه الفجار) ، أي، يسقط ويتباطأ سير أهل الفجور والفسق، لكنه ليس زللاً أو سقوطاً مؤبداً، إنما على حسب ما يكون من العمل.

الناس في عبورهم على الصراط يتفاوتون كما وضحت السنة: (فمنهم كالبرق، ومنهم كالريح الشديدة، ومنهم كأجاويد الخيل، ومنهم كركاب الإبل، ومنهم يمشي على رجليه، ومنهم من يزحف زحفاً، ومنهم من تخطفه الكلاليب) ، أسرعهم من يمر كلمح البصر، ثم بعد ذلك كالبرق، ثم كالريح الشديدة، ثم كأجاويد الخيل، ثم كأجاويد الإبل، على حسب الترتيب السابق، وهذا التفاوت في السير على الصراط ناشئ عن التفاوت في العمل، قال الله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:١٠] ، فالسابقون إلى الطاعات والمبرات والخيرات في الدنيا هم السابقون إلى فضل الله ورحمته، والفوز بالنجاة في الآخرة، والنجاة من النار والفوز بالجنة، نسأل الله أن نكون منهم.

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>