قول المؤلف رحمه الله:(فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً) .
انتقد هذا بعض أهل العلم فقال: إن هذا فيه شائبة أشعرية حيث قال: فدل على أن للعبد فعلاً وكسباً، والصحيح أن كلام المؤلف ليس عليه مؤاخذه، وأنه سالم وجارٍ على طريقة أهل السنة والجماعة، وذكر الكسب ليس دليلاً على أشعرية المؤلف؛ لأن الكسب قد ذكره الله تعالى فقال:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر:١٧] ، وقد ذكر المؤلف رحمه الله هذه الآية قبل ذكر الكسب، ففهم من الكسب ما دلت عليه الآية من أنه فعل الإنسان الذي يكون باختياره وإرادته ومشيئته.
أما الأشعرية فلهم في القدر قول عجب خالفوا به الناس، حيث قالوا: إن أفعال الخلق كسب لهم وليس لهم عليها قدرة، وهذا القول لا نطيل فيه؛ لأنه من الأقوال المستبشعة والمستغربة والتي لا حقيقة لها ولا معنى لها؛ ولذلك فهم يرجعون إلى أنهم يقولون بقول الجبرية، فهم يقولون: إن فعل العبد كسب له لكن لا قدرة له عليه، وهذا لا يمكن أن يكون.
إذ كيف يكون فعله كسباً له ولا قدرة له عليه؟! فمن قال: إن كلام المؤلف هنا فيه شائبة أشعرية أو فيه إيهام أو إبهام، ففي قوله نظر وتكلف؛ لأن المؤلف رحمه الله ذكر هذا بعد ذكر الآية التي فيها الكسب وهي قوله تعالى:{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر:١٧] ، فيكون معنى الكسب الذي ذكره هو ما دلت عليه الآية، وبهذا يكون قد انتهى ما يتعلق بمسائل القدر في هذا الفصل، وينبغي للمؤمن أن يقر قلباً وأن يقر فؤاداً بأن الله جل وعلا لا يظلم الناس شيئاً كما قال الله جل وعلا:{وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:٤٦] ، وكما قال سبحانه وتعالى:{لا ظُلْمَ الْيَوْمَ}[غافر:١٧] فإذا استقر في قلب العبد هذا اطمأن من أن يقع ظلم من الله عز وجل أو تعارض بين الشرع والقدر، بل الأمر كله لله جل وعلا يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، والعبد له اختيار ومشيئة وإرادة، ومشيئته وإرادته لا تخرج عما قدره الله وعلمه وكتبه وشاءه وخلقه.