يقول رحمه الله في افتتاح هذه الرسالة المباركة:(بسم الله الرحمن الرحيم) .
وهذه الجملة جملة تامة، ومعنى جملة تامة: أنها كاملة تحصل بها الفائدة، مع أنه من حيث النظر الإعرابي للكلمات الموجودة، لا تستقل الكلمات الموجودة بإفادة المعنى، إذ لابد فيها من تقدير، واختلف العلماء رحمهم الله هذا المقدر على قولين: فمنهم من قدره باسم، ومنهم من قدره بفعل، وهذا الاختلاف ناشئ عن الاختلاف في: هل جملة البسملة جملة فعلية أو جملة اسمية؟ فمن قال: إنها جملة فعلية قدره بفعل، ومن قال: إنها جملة اسمية قدره باسم.
وكلا الوجهين صحيح مقبول، فيصح أن يقدر باسم، ويصح أن يقدر بفعل، والمسألة قريبة والاختلاف فيها ليس بكبير الشأن.
وأكثر العلماء رجحوا تقديره بالفعل، وذهب جماعة من العلماء إلى تقديره بالاسم، لكن ينبغي في هذا المقدر أن يكون مناسباً، أي: أن يكون تقديره مناسباً لحال القائل، أو لحال الكاتب لهذه الجملة.
فمثلاً: عند قراءة كتاب نقدر: بسم الله الرحمن الرحيم قراءتي أو أقرأ، وعند دخول المسجد: بسم الله الرحمن الرحيم دخولي أو أدخل، وعند الذبح: بسم الله الرحمن الرحيم ذبحي أو أذبح، وعند الكتابة: بسم الله الرحمن الرحيم كتابتي أو أكتب وهلم جراً.
وهذا التقدير يناسب أن يكون في آخر الكلام لا في أوله؛ تيمناً بالبداءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) .
ويصح أن يتقدم - أي: يصح أن يأتي مقدماً- كما في قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:١] ، ولم يقل: باسم ربك اقرأ؛ لأن التقديم في هذه الصورة مناسب، وذلك أن المقصود الأكبر هو القراءة؛ فلذلك قدمه على البسملة.
لكن الأنسب في غالب موارد البسملة أن يكون المقدر المضمر مؤخراً، فتقول: بسم الله الرحمن الرحيم قراءتي، أو: بسم الله الرحمن الرحيم أقرأ.