قال المؤلف رحمه الله:(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن فأعربه) أي: أفصح في قراءته وأبان، ولم تلتبس عليه الكلمات، (فله بكل حرف منه عشر حسنات، ومن قرأه ولحن فيه) أي: مال عن القراءة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، (فله بكل حرف حسنة) ، وقد روي هذا من حديث ابن مسعود رضي الله عنه في جامع الترمذي وفيه:(من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول آلم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ، والحديث صحيح، قال عنه الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.
ثم ذكر حديث رسول الله:(اقرءوا القرآن قبل أن يأتي قوم يقيمون حروفه إقامة السهم) ، أي: يعتنون بإقامة كلماته، (لا يجاوز تراقيهم) ، أي: أنه لا ينفذ إلى قلوبهم؛ لأن الترقوة هي العظمة التي تحيط بالنحر؛ فهم يقتصرون في قراءة القرآن على إقامته على اللسان دون أن ينفذ إلى قلوبهم إصلاحاً وتزكية وتربية، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يجاوز تراقيهم) وقوله: (يتعجلون أجره ولا يتأجلونه) ، أي: يتعجلون تحصيل نفعه والكسب من ورائه في الدنيا ولا يتأجلونه، أي: ولا يحتسبون ذلك عند الله عز وجل في الآخرة، فهم يقرءون إما ليحصلوا كسباً دنيوياً أو ما أشبه ذلك من الأمور التي يدركها بعض من يقرأ القرآن في الدنيا، ولا ينظرون إلى ثواب الآخرة وأجرها، وما أعد الله عز وجل لأهل القرآن فيها.
وقال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما:(إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه) ، إعراب القرآن، أي: الإفصاح به وإدراك معانيه.
لماذا جاء التركيز على الإعراب؟ لأن الإعراب سلم الفهم، فلا يمكن للإنسان أن يفهم كلام الله إلا إذا أعربه، ولذلك قال ابن عطية رحمه الله: إعراب القرآن أصل في الشريعة؛ لأن به تقوم معانيه التي هي من الشرع.
فالمقصود: أن إعراب القرآن بلغ هذا الشأن وهذه الأهمية وهذه المنزلة؛ لأنه سبيل فهم الألفاظ، فإذا لم يقم الإنسان الإعراب لم يتمكن من فهم القرآن، وليس الإعراب أن يعرف الفاعل من المفعول دون أن يفهم ما يترتب على هذا الفهم من الفاعل والمفعول.
بل المقصود من الإعراب: أن يفهم كلام الله عز وجل، وأن يدرك المعنى الذي جاءت به الآيات.