[المفاضلة الخاصة بين الصحابة دون التنقص لأحد]
هذا الفضل العام في جيل الصحابة رضي الله عنهم يشملهم جميعاً، ثم هم بعد هذا الفضل العام يتمايزون في الفضل على درجات متفاوتة، أعلاهم وأرفعهم منزلة وأعظمهم فضلاً أبو بكر رضي الله عنه، ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (وأفضل أمته أبو بكر الصديق) فأفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق عليه رضوان الله؛ وذلك أن أبا بكر له من الخصائص والفضائل والمزايا ما لا يشركه فيه غيره من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، بل اختص بها وهي أعلى الفضائل الخاصة.
ثم وصفه رضي الله عنه بـ الصديق؛ لكونه الذي صدق النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لما وقع ما وقع بين أبي بكر وعمر من المخاصمة، قال: (لقد جئتكم فقلتم: كذبت.
وقال أبو بكر: صدقت) فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالتصديق، فهو صديق هذه الأمة وهو الصديق الأكبر رضي الله عنه.
ثم عمر الفاروق ويصدق عليه أنه صديق، فقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم أعظم تصديق، لكنه اختص بهذا الوصف؛ لأن الله فرق به بين الحق والباطل، فـ عمر رضي الله عنه معه من القوة ورباطة الجأش وعظيم العزيمة ما حقق الله على يديه الفرق بين الحق والباطل.
ثم عثمان ذو النورين، أي: صاحب النورين رضي الله عنه، والنواران هما بنتا النبي صلى الله عليه وسلم، حيث خصه الله بأن جمع له بين بنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم، تزوج إحداهما فماتت ثم تزوج الثانية.
ثم بعد ذلك قال: (ثم علي المرتضى) : وعلي هو رابع الصحابة رضي الله عنهم في الفضل، والمنزلة والمكانة، ووصفه بأنه المرتضى لما روى البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة لما خرج إلى غزوة تبوك، فتبع علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتتركني في النساء والصبيان؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟) ، فرضي رضي الله عنه فسمي بعد ذلك بالمرتضى، هكذا ذكر بعض أهل العلم في سبب تسميته أو وصفه رضي الله عنه بالمرتضى، وقيل: لأنه رضيه الله ورسوله، وقيل غير ذلك.
وعلى كل حال: فهذا وصف شاع بين أهل العلم في وصف علي رضي الله عنه.
ورضي الله عن الصحابة أجمعين.
والمفاضلة بين الصحابة لا يترتب عليها النقص أو التنقص للمفضول، بل بيان الفضل لا يترتب عليه همز المفضول ونقصه، بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فإذا ترتب على المفاضلة أن يكون هناك تنقص فإنه لا تجوز المفاضلة في هذه الحال، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على يونس بن متى) فنهى عن المفاضلة بين الأنبياء وعن التفضيل بينه وبين يونس بن متى وهو رسول ونبي صلى الله عليه وسلم.
والسبب أنه إذا كانت المفاضلة تفضي إلى تنقص المفضول فإنها لا تجوز، فإذا كانت هذه في الأنبياء مع وضوح فضل النبي صلى الله عليه وسلم وظهوره وتأكده وتقريره، فكيف بالمفاضلة بين غيرهم؟! فلا يسوغ المفاضلة بين أهل الفضل إذا كان ذلك على وجه التنقص للمفضول، أما إذا كان على وجه بيان الفضل والسبق والمنزلة وما خص الله به أحدهم، فإن هذا لا بأس به، وهذا ليس خاصاً في المفاضلة بين الأنبياء أو الصحابة، بل في المفاضلة بين كل من تجري بينهم مفاضلة، إذا كان يترتب على هذه المفاضلة تنقص المفضول، ولا ينبغي أن يفاضل بين الناس على هذا الوجه؛ لأنه يفضي إلى مفسدة، والمفاضلة ليس المقصود منها إيغار الصدور، ولا تنقص المفضول، وإنما المقصود منها بيان فضل الله عز وجل، وما خص به كلاً من أهل الفضل.