[وجوب محبة الصحابة وتوليهم والكف عن ذكر مساوئهم]
يقول رحمه الله: (ومن السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحبتهم) أي: محبة قلبية، وذلك لما كانوا عليه من عظيم الإيمان وصدق اليقين ورسوخ القدم في سبيل المتقين، ولما كانوا عليه من الذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كانوا عليه من الدعوة إلى الله عز وجل والنصح للخلق، فهم رضي الله عنهم لهم القدم السابقة في هذه الأمور كلها التي لا يمكن أن يُحلقوا فيها رضي الله عنهم.
ويكفيهم فضلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيهم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم) فهم خير الناس، وهم أحق من يدخل في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] وهم أحق من يدخل في قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣] ، وهم المعنيون بقوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:١٠٠] فالمهاجرون والأنصار السابقون منهم هم الذين رضي الله عنهم رضاً مطلقاً فلم يقيد ذلك باتباع بإحسان فيما كان منهم، بل قال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة:١٠٠] فاشترط الإحسان في التابعين لا فيهم هم.
فهم رضي الله عنهم لهم من الفضائل ما ليس لغيرهم، ولهم من المنزلة والمكانة ما ليس لغيرهم، فحقهم أن يحبوا؛ لأن محبة الصالحين من عبادة الله عز وجل ومن طاعته التي يؤجر عليها الإنسان ويثاب، فينبغي للمؤمن أن يستشعر هذا المعنى وأن يلاحظه، فليست المحبة لكوننا مأمورين بمحبتهم، بل نحن نحبهم محبة قلبية لما كانوا عليه من الفضل، ولما كانوا عليه من الخير، ولما وصلنا عن طريقهم من الشريعة، فهم حفظة الشريعة وحملتها رضي الله عنهم.
يقول: (وذكر محاسنهم) ، فالواجب ذكر محاسنهم؛ لأن ذكر المحاسن مما يزداد به حبهم ويزداد به توليهم.
قال: (والترحم عليهم) أي: والواجب أيضاً أن نترحم عليهم وأن ندعو لهم بالرحمة والمغفرة، وأن ندعو لهم بالرضى وبكل خير.
قال: (والاستغفار لهم) ؛ أيضاً يجب طلب المغفرة لهم؛ لأنه ما من إنسان إلا ويخطئ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) فنحن لا نقول: إنهم معصومون، لكننا نقول لهم: من السبق والفضل والمكانة والخير والتقوى ما يستوجب أن يحبوا وأن يذكروا بإحسان، وأن يترحم عليهم وأن يستغفر لهم رضي الله عنهم.
يقول رحمه الله: (والكف عن ذكر مساوئهم) الكف: الامتناع، فيجب الامتناع عن ذكر مساوئهم، أي: عن ذكر ما ينسب إليهم من المساوئ سواء كانت صحيحة النسبة أو لم تصح؛ لأنهم قد رضي الله عنهم، ومن رضي الله عنه فلا يسوغ لمؤمن أن يبحث عن عيوبه أو أن يتلقط زلاته أو أن يبحث عن عثراته، فإن هذا مما يضعف مكانتهم وينزل في منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل إياها.
ثم اعلم أن كثيراً مما يذكر من المساوئ المنسوبة إلى الصحابة: إما أنها آثار لا تصح، وإما أنها صحيحة لكن فيها زيادة أو نقص، وإما أنها غيرت عن الوجه الذي جاءت عليه، فبدل أن تكون إحساناً حولت إلى أن تكون سيئة ومثلبة.
كذلك إذا ثبت هذا الذي ينسب إليهم فالواجب أن نعتقد أنهم مجتهدون رضي الله عنهم، ولا يخلو حالهم عن إصابة فيكون لهم أجران، أو أن يكونوا قد أخطئوا فيكون لهم أجر واحد رضي الله عنهم، وهذا لا يعني أننا نقول: إنهم معصومون كما تقدم قبل قليل، لكننا نعتقد فيهم كل خير، ونعتقد فيهم كل بر، ونسأل الله لهم العفو والعافية والمغفرة، رضي الله عنهم وأرضاهم.