للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في موضع آخر: "لا يجوز لمفت على مذهب الشافعي إذا اعتمد النقل أن يكتفي بمصنف ومصنفين ونحوهما من كتب المتقدمين وأكثر المتأخرين، لكثرة الاختلاف بينهم في الجزم والترجيح، لأن هذا المفتي المذكور إنما ينقل مذهب الشافعي ولا يحصل له وثوق بأن ما في المصنفين المذكورين ونحوهما هو مذهب الشافعي أو الراجح منه، لما فيها من الاختلاف، وهذا مما لا يتشكك فيه من له أدنى أنس بالمذهب، بل قد يجزم نحو عشرة من المصنفين بشيء وهو شاذ بالنسبة إلى الراجح في المذهب، ومخالف لما عليه الجمهور، وربما خالف نص الشافعي أو نصوصاً له" (١).

وقد تعرض ابن عابدين للخلل الذي وقع فيه المصنفون المتأخرون من الحنفية في حكاية المذهب فقال: "لا ثقة بما يفتي به أكثر أهل زماننا بمجرد مراجعة كتاب من الكتب المتأخرة، خصوصاً غير المحررة، كشرح النقاية للقهستاني، والدر المختار، والأشباه والنظائر، ونحوها، فإنها لشدة الاختصار والإيجاز كادت تلحق بالألغاز، مع ما اشتملت عليه من السقط في النقل في مواضع كثيرة، وترجيح ما هو خلاف الراجح، بل ترجيح ما هو مذهب الغير مما لم يقل به أحد من أهل المذهب" (٢).

ثم ذكر ابن عابدين أن بعض متأخري فقهاء الحنفية قد يقع في خطأ، فيتتابع الفقهاء في نقل ما أخطأ به من غير تبين ولا تحقيق، وفي ذلك يقول: "وقد يتفق نقل قول في نحو عشرين كتاباً من كتب المتأخرين، ويكون القول خطأ أخطأ به أول واضع له، فيأتي من بعده وينقله عنه، وهكذا ينقل بعضهم عن بعض".

وقد مثل لهذه الأخطاء بأمثلة، سأكتفي بذكر أولها، وهي مسألة الاستئجار على تلاوة القرآن المجردة، "فقد وقع لصاحب السراج الوهاج والجوهرة شرح القدوري أنه قال بأن المفتي به صحة الاستئجار، وقد انقلب


(١) المجموع: ١/ ٤٧.
(٢) شرح رسم عقود المفتي، مجموعة رسائل ابن عابدين: ١/ ١٣.

<<  <   >  >>