فصار (تحريم الضرب)، ولكن المنطوق يطلق على الحكم أو محله فقط.
ثانيا: المفهوم ينقسم إلى قسمين: مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة. فالأول: ما وافق حكمه حكم المنطوق، والثانى: ما خالف حكمه حكم المنطوق. والحكم فى الموافقة قد يكون أولى من حكم المنطوق وهذا يسمى فحوى الخطاب؛ لأنه كالريح تجده بمجرد سماع الخطاب، وقد يكون مساويا لحكم المنطوق ويسمى لحن الخطاب، فتحريم ضرب الوالدين أولى من تحريم التأفيف لما يشتمل عليه من شدة الإيذاء، وحرق مال اليتيم مساو لأكل ماله؛ لأنهما يتساويان فى إضاعة ماله وإتلافه. وهناك من قسم المفهوم إلى ثلاثة أقسام: الموافقة وقصرها على الأولى، والمساوى، والمخالفة. ولكننا نرد هذا التقسيم لأمرين:
(أ) أنه سلب اسم الموافقة: عن المساوى، وهذا لا يصح؛ لأن المساوى موافق.
(ب) أن من أخرج المساوى من الموافقة احتج كما يحتج بالموافقة فلا معنى لإخراجه- ومن ثم فمفهوم الموافقة يشتمل على الأولى والمساوى- وليس فى هذا المفهوم الأدون.
والحكم الثابت بالمفهوم كالثابت بالمنطوق، فإذا كان حكم المنطوق قطعيا لاستناده لنظم اللغة فكذلك المفهوم، فالحكم الثابت بالمفهوم فوق الثابت بالقياس؛ لأن الثابت بالقياس يدرك بالرأى والاجتهاد، والمفهوم يدرك باللغة الموضوعة لإفادة المعنى. كذا فى «التوضيح والتلويح». ومن ذهب إلى أن دلالة المنطوق قد تكون قطعية ودلالة المفهوم ظنية إنما أخطئوا فى ضرب الأمثلة؛ لأنها أمثلة كلها لأحكام تدرك بالقياس.
ثالثا: اتفق الكل على حجية مفهوم الموافقة، ولكنهم اختلفوا بعد ذلك فى مواطن منها: طريق الدلالة هل القياس الجلى أم الدلالة اللفظية؟، وإذا كانت الدلالة اللفظية فهل بالمنطوق والمفهوم فى الحقيقة أم بالمفهوم؟ وفى «تحرير الجلال المحلى» لتلك المواطن ينقل عن الشافعى وإمام الحرمين والرازى. إن دلالة الموافقة قياسية سواء كان الأولى أو المساوى الجلى، وتكون العلة فى تحريم الضرب الإيذاء، وفى حرق مال اليتيم الإتلاف، وإن كان الشافعى وإمام الحرمين لم يجعلا المساوى من الموافقة، والرازى لم يصرح، ويرى الغزالى والآمدى أنها دلالة لفظية تفهم بالسياق والقرائن لا مجرد اللفظ، ففي تحريم الضرب فهم تعظيمها واحترامها فحرم الضرب والتأفيف، وكذلك حرق مال اليتيم فالمراد حفظه؛ ولذا منع الحرق والأكل، وعليه تكون دلالة مجازية