للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبليس فى قوله تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٧).

ثانيا: المقسم به: جاء القسم فى القرآن بالله- سبحانه- أو أحد صفاته، أو بصفة فعله كبناء السماء وطحو الأرض، وبالمخلوقات كالصافات والذاريات والطور، وحياة النبى صلّى الله عليه وسلم خاصة فى قوله تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٨). فالحلف به- سبحانه وتعالى- أو بصفته أو صفة فعله لا إشكال فيها، وينعقد اليمين بها، ولزمته الكفارة فى الحنث، ولكن الكلام فى حلفه بمخلوقاته- سبحانه. والجواب ذكره السيوطى فذكر أوجها له:

أحدها: أنه على حلف مضاف تقديره (ورب التين).

والثانى: العرب تعظم الأشياء وتقسم بها، فنزل بلغة العرب.

والثالث: أن القسم بما يعظمه المقسم، وعليه فالقسم بالمخلوق هو قسم بالخالق.

ونقل السيوطى مثل هذا المعنى عن ابن أبى الأصبع فى (أسرار الفواتح) - ثم ذكر آثارا عن الصحابة والتابعين فى القسم بالنبى صلّى الله عليه وسلم، وأنه كان لبيان مكانته عند ربه- سبحانه.

وأرى: أن ثانى الأجوبة التى ذكرها السيوطى لا معنى له؛ ولذا لم يذكره الحافظ ابن حجر مع استيفائه لأحاديث هذه المسألة فأورد الجواب الأول وهو حذف المضاف، والثالث: وهو أنه خاص بالله لتعظيم المقسم به. ونقل الحافظ عن ابن عبد البر جعل لفظ (أفلح وأبيه) من الحديث غير محفوظة، وتردها الأحاديث الصحيحة. وقد ورد فى غير حديث مرفوع القسم بقوله: (وأبيك) فى مثل إجابته عن أى الصدقة أفضل؟ فقال:

«وأبيك لتنبأن». فإذا ثبت ذلك، فالجواب عليه بأجوبة:

الأول: أنه كان يجرى على ألسنتهم دون قصد القسم والمنهى عنه قصد القسم بها.

وإليه مال البيهقى وارتضاه النووى.

والثانى: أنه يقع فى كلامهم للتعظيم والتأكيد، والنهى كان عن التعظيم. فمن أمثلة ما وقع فى كلامهم للتأكيد لا للتعظيم قول الشاعر:

فإن تلك ليلى استودعتنى أمانة ... فلا وأبى أعدائها لا أذيعها

فلا يمكن أن يكون معظما لأبى أعدائها، بل قصد تأكيد كلامه.

والثالث: أن هذا كان جائزا ثم نسخ، قاله الماوردى، وحكاه البيهقى، وقال السبكى: أكثر الشّراح عليه. وقال ابن العربى: وروى أن


(٧) سورة ص (٨٢).
(٨) سورة الحجر (٧٢).