وربما كانت المناسبة من هذا النوع دقيقة بعض الشيء بما يحتاج إلى تدبر؛ نحو ما يمكن أن يقال فيما بين سورتى الحج والمؤمنون من أن آخر الحج أمر للمؤمنين بالإخلاص لله والاعتصام بدينه، وأول سورة المؤمنون يقدم البشرى بالفلاح على ذلك.
كما يمكن أن يقال فيما بين العنكبوت والروم: فخاتمة العنكبوت ذكرت المجاهدين فى سبيل الله ومعونته لهم، وفاتحة الروم ذكرت أن الحرب سجال ودول غير أن العاقبة لأصحاب الشريعة السماوية.
المسلك الثانى: التناسب بين الموضوع الرئيس فى كل سورة:
وهذا مسلك أعمق وأدق فى الملاحظة، حيث يربط بين الروحين الساريين فى السورتين، ومن أمثلة ذلك ما يلى:
- بين سورة الفاتحة والبقرة: يمكن القول بأن سورة البقرة تفصيل لإجمال سورة الفاتحة.
- وبين سورتى البقرة وآل عمران: يمكن القول بأن سورة البقرة بينت قبح اليهود، بيانا واقعيا من خلال واقع حياتهم، مما يبعث فى النفوس المطمئنة بغضا عظيما، ونفورا بعيدا من اليهود، ثم جاءت سورة آل عمران لتعلن أن اليهود (ليسوا سواء) فلقد كان منهم آل عمران الذين اصطفاهم الله (مع آدم ونوح وآل إبراهيم) كما قال فى سورتهم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ الآية ٣٣ فعمران، وامرأته، وابنتهما مريم، وحفيدهما عيسى ابن مريم كل أولئك كانوا صالحين على خلاف بنى إسرائيل، بدليل أنه جاء منهم عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
- وبين سورة الطلاق والتحريم والملك، يمكن أن يقال:
فى سورة التحريم يقرر الله قاعدة عقدية عظيمة، وهى أن التحريم حق خالص لله، لا يجوز لأحد- مهما كان- أن ينازع الله فيها ولو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه وتعالى:
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النحل ١١٦] وفى سورة الطلاق قبلها أمر بأن يكون التحريم- فيما أذن الله فيه لعباده أن يحرموه- على منهج الله- سبحانه وتعالى- فى التحريم، على حد قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ لأول إقبال