للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاء على سبيل الإقناع إذ الهدف من ذكرهما هو أن كلا من الليل والنهار يخلف أحدهما الآخر بصورة دائمة لا تتبدل ولا تتوقف، ومثل ذلك كثير فى آيات الكتاب العزيز التى لا يفقهها إلا من توفرت لديه أدوات فهم اللغة العربية، فضلا عن أن ثمة شروطا كثيرة حددها علماء الأمة ينبغى توفرها عند من يعرض لتفسير القرآن الكريم.

نعود مرة أخرى إلى المنهج الذى سرنا عليه فى ارتباط ذكر خلق السموات والأرض فى آيات كتاب الله الكونية لتتمثل بقول الله عز وجل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) (٤).

وإن وقفة التدبر هنا موقعها معجزة خلق الكون، ممثلا فى السموات والأرض فى ستة أيام، ثم الاستواء على العرش، وفى تتابع الليل والنهار بصورة أكثر تفصيلا، وهى كون الليل والنهار يغشى أحدهما الآخر حثيثا؛ أى أن الليل يغطى على النهار فيذهب بضوئه ويطلبه سريعا حتى يدركه. (٥)

وإذا كان الكون كله من إبداع الخالق الأعظم، فمن المقطوع به أن الشمس والقمر والنجوم مسخرة جميعا بأمر الله، والآية جميعها موقوفة على الجزء السماوى من سنن الله الكونية؛ إعجازا وإدراكا لجميع البشر، ومن ثم كان ختامها متسقا مع مدلولاتها وذلك بقول الله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.

ومعجزة الخلق فى ستة أيام يراها القرطبى أنها مثيلة لأيام الدنيا ويقول: «لو أراد لخلقها فى لحظة، ولكنه سبحانه أراد أن يعلّم العباد التثبّت فى الأمور» (٦).

وفى آية أخرى يقول- جل وعزّ- لتأكيد فترة الخلق فى ستة أيام: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) (٧).

وموقع التدبر هنا أن عرش الله كان على الماء، ويرى الزمخشرى أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السموات والأرض (٨)، فإذا عدنا إلى الماء موضع التدبر وجدنا فى الآية توبيخا لكفار مكة لأنهم ينكرون البعث والنشور.

ومن الآيات الكونية المترعة بالسنن الإلهية- بدون ذكر خلق السموات والأرض- قول الله عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي


(٤) الأعراف الآية ٥٤.
(٥) صفوة التفاسير المجلد الأول صفحة ٤٥٠ الطبعة الرابعة.
(٦) تفسير القرطبى المجلد السابع صفحة ٢١٧.
(٧) سورة هود الآية ٧.
(٨) الكشاف المجلد الثانى صفحة ٣٨٠.