تضم هذه الآية أربعة عناصر تمثل سننا إلهية، وهى موضوع اهتمام الخلق جميعا، إنها الليل والنهار والشمس والقمر، وليس عجبا أن كل اثنين من هذه المعالم الأربعة مرتبط بقرين له، فالليل والقمر مرتبط أحدهما بالآخر، وكذلك النهار والشمس مرتبط كلاهما بالآخر، وهى جميعا تمثل سننا إلهية ذكرت كل واحدة منها فى القرآن الكريم عشرات المرات.
وفيما يتعلق بذكر الليل والنهار، فإن ثمة نوعا من التكافؤ حادث بينهما إذ لا غنى للعيش بدونهما، وإذا كانت آية الأعراف تضمنت قوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً حسبما مرّ بنا قبل قليل، فإن الأمر يختلف هنا، إذ يقول المولى عز وجل:
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ، وليس ذلك من قبيل التضاد، وإنما هو من قبيل الموازنة والمساواة بين قيمة كل من الليل والنهار.
وأما ذكر الشمس والقمر مقترنين أحدهما بالآخر، فتلك من سنن الله الخالدة الباقية إلى أن تقوم الساعة، ويتجلى ذلك فى قوله عز وجل: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩).
وإذا كان بعض المفسرين لم يصل اجتهاده إلى المعنى القرآنى، فإن المفسرين المحدثين قد وفقوا إلى المراد من الآية؛ وهو أن الشمس تدور حول نفسها، وكان المظنون أنها ثابتة فى موضعها ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة فى مكانها، وإنما هى تجرى فى اتجاه واحد فى الفضاء الكونى الهائل، ولا بأس بهذا التفسير، وإنما نحن
نوضح أنها فى سيرها محكومة بالمجرة التى تضم ملايين الشموس الأخرى، ولعل شمسنا التى أطلعنا الله عليها، والتى جعلها مصدرا من مصادر حياتنا هى- على ضخامتها الهائلة- من أصغر شموس المجرة التى تحتويها وتعرف بمجرة سكة اللبان، وهذه المجرة التى لا تعرف بدايتها من نهايتها، هى واحدة من ملايين المجرات التى يضمها الكون الذى خلقه الله جلت قدرته بغير حدود.
هذا وإن الشمس فى جريانها تتحرك بقدرة السميع العليم. ولا يفوتنا فى هذا المقام الذى جرى فيه توصيف الشمس، أنها مسخرة هى والقمر لعوامل أرادها لهما الخلاق